مجتبى نيكيان شفتي یومًا بعد یوم، یقترب العالم من حافة الهاویة، من حربٍ شاملةٍ لا تشبه حروب الأمس، بل معرکة مصیریة ستُعيد رسم مستقبل البشرية، وتکسر خرائط القوة والنفوذ، وتهزّ جذور النظام الدولي المهترئ. لم تعد الأحداث متناثرة، ولا الأزمات محلیة الطابع. کل انفجارٍ فی غزة، کل شهیدٍ فی لبنان، کل صرخةٍ فی صنعاء، تُسمع أصداؤها فی واشنطن وتل أبیب ولندن. إنّها معرکة واحدة، وجبهات متعددة، یخوضها المظلومون بأجسادهم، ویتفرج علیها الصامتون من خلف الشاشات. العالم یغلی فوق نارٍ هادئة، ولکنّ الشرارة التی ستفجّره قاب قوسین أو أدنى. نحن لا نُجسّم الخطر، بل نصف الواقع الذی یتکوّن أمام أعیننا. فما نشهده لیس أزمة عابرة، بل نقطة تحوّل حضاریة، تغیر فیها الاصطفافات، وتسقط فیها الأقنعة، وتتبدّل فیها مفاهیم القوة والشرعیة، والنصر والهزیمة. فی هذه اللحظة، لا مجال للوقوف على الحیاد. فلیس هناک منطقة رمادیة بین الحق والباطل، بین الاحتلال والتحریر، بین الذل والکرامة. من یصمت، یختار موقعه، ولو لم یتکلّم. ومن یتردد، یمنح الوقت للعدو لیُجهّز الضربة القادمة. إنّ أخطر ما یُهدد أمتنا لیس طائرات العدو وحدها، بل ذلک التردد القاتل الذی یُعشش فی الصدور، وتلک الطمأنینة الزائفة التی تسبق الانفجار. الصمت لیس حکمة. الصمت فی زمن الدم خیانة مغلفة بالحیاء. هل ننتظر حتى تُمحى عواصمنا من الخرائط؟ هل سنبقى نُراقب سُفن القتلة وهی تجوب بحارنا وتُغرقها بدماء أطفالنا، ثم نتحصّن خلف مصطلحات “الاعتدال” و”التوازن” و”الحیاد”؟ اللحظة تاریخیة. هی اللحظة التی تُعرّف فیها الشعوب هویتها، وموقعها من الصراع، وتُجیب: إلى أیّ صفّ ننتمی؟ ومع من نُسجّل تاریخنا؟ یجب أن نُسمّی الأشیاء بأسمائها: العدو واضح. الدم لا یکذب. والکلمات الخاویة لا تصنع تاریخًا. فلنُجدّد عهدنا مع الحق، مع المقاومة، مع کرامة الإنسان، مع الحقیقة التی لا تُخضعها قنوات التزییف، ولا تلوثها موائد التطبیع. کفانا صمتًا… فالعاصفة قادمة، والطوفان لا یرحم، ویومها لا ینفع الندم. |