محمد عبد الجبار الشبوط تُطرح أحيانًا مقارنة تبدو في ظاهرها منطقية لكنها في جوهرها مغلوطة: الإسلام أم الديمقراطية؟ أيهما أصلح لإقامة دولة حضارية حديثة؟ وتكمن المغالطة في أن المقارنة تُجري بين أمرين غير متماثلين في الطبيعة: - الإسلام منظومة عقدية وقيمية شاملة تتناول الإنسان والمجتمع والدولة والكون. - الديمقراطية منظومة آليات سياسية محايدة لتنظيم تداول السلطة وضبط العلاقات بين الحاكم والمحكوم. الإسلام مرجعية، والديمقراطية أداة. الإسلام لا يحدد شكل الدولة ولا نظامها السياسي تفصيلاً، وإنما يطرح قيمًا عليا تصلح أساسًا لأي نظام يحقق العدل والشورى والكرامة الإنسانية. أما الديمقراطية، فهي إحدى الأدوات المعاصرة التي تسمح بتجسيد تلك القيم على أرض الواقع، من خلال المشاركة والتعددية والتداول السلمي للسلطة. النجاح ليس مرهونًا بالنصوص بل بالفاعلين. فشل أو نجاح أي مشروع سياسي - سواء كان إسلاميًا أو ديمقراطيًا أو علمانيًا - يعتمد على القائمين عليه ومدى إيمانهم به. فكم من تجربة إسلامية فشلت لأنها استُخدمت لفرض الاستبداد! وكم من نظام ديمقراطي انهار لأنه لم يكن هناك «ديمقراطيون» حقيقيون في السلطة. الديمقراطية في السياق الإسلامي ليست نقيضًا. بل يمكن اعتبارها شكلاً مؤسسيًا حديثًا للشورى، وقد أظهرت تجارب بعض الدول الإسلامية (مثل إندونيسيا وتونس لفترة معينة) أن هناك إمكانية واقعية لدمج القيم الإسلامية مع الممارسة الديمقراطية، ما يُظهر عدم وجود تعارض جوهري بين الإسلام والديمقراطية. إيمان القائمين بالمشروع هو الفيصل. في القرآن الكريم، تقترن الهداية دائمًا بـ»الذين آمنوا وعملوا الصالحات». فالإيمان لوحده لا يكفي، بل يجب أن يُترجم إلى عمل منظم ومثمر. كذلك في السياسة: لا تكفي الشعارات ولا المرجعيات إذا لم تتجسد في سلوك القادة ونظام المؤسسات. خلاصة القول: الديمقراطية لا تناقض الإسلام، بل يمكن أن تكون أداة ناجعة لتجسيد قيمه. والإسلام، حين يُفهم في سياقه الحضاري والإنساني، لا يمنع من تبني أدوات حديثة لبناء الدولة. الأساس هو وجود مشروع واضح ونخبة مؤمنة به وملتزمة بأخلاقياته وأهدافه. |