محمد عبد الجبار الشبوط الثغرات التي سيأتي الحديث عنها في ادناه تمثل أبرز عيوب التأسيس البنيوي للدولة العراقية بعد 2003، وهي تعكس خللاً عميقاً في المنظومة السياسية والمؤسسية للدولة، وسأشرح كل واحدة منها بإيجاز: ثغرات الدستور يمثل الدستور القاعدة التي تبنى عليها الدولة. وعادة ما تستغرق كتابة الدستور وقتا كافيا للدراسة والتدقيق والتمحيص والنقاشات العامة. لكن الدستور العراقي كُتب في ظروف غير مستقرة، وبشكل متسرع. لهذا احتوى على بنود غير واضحة أو متناقضة كما أنه لم يحسم طبيعة النظام السياسي بشكل دقيق بين المركزية والفيدرالية، ولا طبيعة النظام الاقتصادي. وترك فجوات تفسر حسب مصالح القوى السياسية. كما ان الطبقة السياسية الحاكمة تجاهلت الدستور في بعض مواده وخاصة المادة (٦٥) المتعلقة بمجلس الاتحاد والمادة المتعلقة بتعديل الدستور والمادة المتعلقة بكركوك. وللتوسع في هذا الامر احيل القاريء الى الدراسة القيمة التي كتبها الاستاذ الدكتور نديم الجابري حول «البعد السياسي والفكري في كتابة الدستور العراقي»(٢٠١٨) المحاصصة: تم اعتماد نظام المحاصصة الطائفية والإثنية كآلية لتوزيع السلطة بين مكونات المجتمع (شيعة، سنة، أكراد، وغيرهم). هذا النظام أدّى إلى تقويض مبدأ الكفاءة في تولي المناصب، وأسّس لثقافة الولاء للمكون على حساب الولاء للدولة، مما شجّع على الفساد والانقسام بدل الوحدة الوطنية. 3. ضعف مفهوم المواطنة وتضخم مفهوم المكون: بدلاً من أن يكون المواطن هو حجر الأساس في بناء الدولة، أصبح الانتماء الطائفي أو القومي هو المرجعية الأولى في الحقوق والواجبات. هذا التضخم في مفهوم «المكون» أضعف من سيادة القانون، وخلق بيئة تفتقر للعدالة والمساواة، ما جعل مؤسسات الدولة خاضعة لصراعات الهويات الفرعية. 4. الخلط بين الديمقراطية العددية والديمقراطية التوافقية: المشكلة في التجربة العراقية لم تكن الالتزام الحاسم بأحد النموذجين، بل في التداخل غير المنضبط بينهما. الديمقراطية العددية تعني حكم الأغلبية عبر الانتخابات، بينما الديمقراطية التوافقية تُستخدم عادة في المجتمعات المتنوعة لضمان تمثيل كل المكونات، لا سيما حينما لا تكون الثقة بين الأطراف مكتملة. في العراق، تم استيراد نموذج الديمقراطية العددية شكلياً عبر الانتخابات، لكن التطبيق العملي كان قائماً على أسس التوافق السياسي والمحاصصة الطائفية. بمعنى آخر، يتم انتخاب البرلمان بشكل عددي، لكن تشكيل الحكومة يخضع لمفاوضات توافقية بين الكتل الطائفية والقومية. هذا التناقض أدى إلى شلل سياسي، وتأخير تشكيل الحكومات، وتعميق الطائفية، وإضعاف مفهوم المعارضة البرلمانية. كان ينبغي أن يتم اختيار أحد النموذجين بوضوح مع تهيئة الشروط المؤسسية والثقافية له، لكن الخلط بين النموذجين جعل العملية السياسية تعاني من فقدان الفاعلية والمصداقية. أدى هذا الخلط إلى أزمات متكررة في تشكيل الحكومات، حيث تُفسر الأغلبية العددية في البرلمان على أنها تمثيل شرعي للحكم، بينما طبيعة المجتمع العراقي المتعدد تتطلب توافقاً سياسياً يضمن مشاركة كل المكونات. هذا التباين أدى إلى تعطيل قرارات الدولة، وزيادة الاستقطاب الطائفي والقومي. يمكن معالجة هذا العيب بجعل مجلس النواب مكان الديمقراطية التعددية ومجلس الاتحاد للديمقراطية التوافقية. 5. الاقتصاد الريعي: يعتمد العراق على النفط كمصدر أساسي للدخل، ما أدى إلى اقتصاد ريعي هش غير منتج. الدولة أصبحت هي الممول الأساسي للمواطن، لا بوصفها راعية بل كموزع للثروة، مما شجع على التوظيف الزبائني، وضعف المبادرات الاقتصادية الحرة، وزاد من الاعتماد على الدولة بدلاً من تشجيع العمل والإنتاج. 6. غلبة مفهوم السلطة على مفهوم الدولة: بعد 2003، تركزت جهود الطبقة السياسية على تقاسم السلطة بدلاً من بناء مؤسسات الدولة. أصبحت الأحزاب تتعامل مع الوزارات كمواقع نفوذ لا كمؤسسات خدمية. هذا أضعف مبدأ «الشرعية المؤسسية»، وجعل مؤسسات الدولة رهينة لإرادات القوى السياسية، مما قاد إلى ضعف الهيبة، وسوء الإدارة، وغياب الرؤية الاستراتيجية. 7. مجلس الاتحاد: هذه الثغرات مجتمعة تشكل الأساس البنيوي للمشكلات التي يعاني منها العراق اليوم، وهي تحديات لا يمكن تجاوزها إلا بإصلاح سياسي جذري ينطلق من إعادة بناء الدولة على أسس المواطنة والمؤسسات والشفافية. |