في خطوة وُصفت بالتحول النوعي في مسار تعزيز حقوق الإنسان داخل المؤسسات الأمنية، حظي قرار القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني بتوثيق التحقيقات في مراكز الشرطة عبر الكاميرات، بإشادة واسعة من الأوساط السياسية والقانونية والمجتمعية. ويؤكد رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية، النائب أرشد الصالحي، أن «هناك توجهين رئيسين في ملف حقوق الإنسان في العراق: يتمثل الأول في طبيعة التحقيقات الابتدائية التي تُجرى داخل مراكز الشرطة، أما التوجه الثاني، فيتعلق بعمل المحققين القضائيين التابعين للسلطة القضائية». وأشار الصالحي إلى، أن «لجنة حقوق الإنسان النيابية كانت قد حذرت في وقت سابق من وقوع انتهاكات في دوائر التحقيق، مثل استخدام أساليب التعذيب والابتزاز، وهو ما يُعدّ خرقًا صارخًا لحقوق الإنسان». وأشاد الصالحي، «بقرار رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، القاضي بتوثيق إجراءات التحقيق بالصوت والصورة داخل مراكز الشرطة، عادًا إياه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، تساهم في تعزيز شعور المواطن بالأمان، وتحد من الانتهاكات المحتملة داخل مراكز الاحتجاز». وأضاف، أن «هذا الإجراء جاء في توقيت مناسب، ويُعدّ جزءًا من الإصلاحات الضرورية لحماية كرامة الإنسان وتحقيق العدالة في إجراءات التحقيق». بدوره، قال مستشار رئيس الوزراء حسين علاوي: إن «التوجيه الأخير للقائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني حول التحقيقات في مراكز الشرطة يأتي في ضوء سياسة الإصلاح لقطاع الشرطة وضمن مراعاة حقوق الإنسان وبناء الثقة بين رجل الأمن والمواطن في كل أنحاء العراق من أجل تطوير عمليات إنفاذ القانون وتحسين عمل قطاع الشرطة وحماية حقوق القضايا المقدمة إلى مراكز الشرطة من أجل حماية الحقوق العامة للأفراد والمؤسسات والشركات في القضايا المقدمة قيد التحقيق من قبل مراكز الشرطة». وأضاف، أنه «على مدى الـ 20 عاما لم تجرِ هكذا خطوة مهمة لتطوير قطاع الشرطة وتدوين وتوثيق التحقيقات من أجل منع أي انتهاكات وهو تحوط إداري من قبل جهاز الشرطة بأن لا يعطي فرصة لكل من يحاول أن يدلس سير التحقيقات القائمة، ومن أجل تعزيز عمل الشرطة وفقًا للمقاييس الدولية لعمل جهاز الشرطة وقياداتها العاملة في المراكز المنتشرة في محافظة بغداد والمحافظات الأخرى». من جانبه، أكد الخبير القانوني علي التميمي، أن توجيهات رئيس مجلس الوزراء للأجهزة الأمنية بتوثيق إجراءات التحقيق بالصوت والصورة تمثل خطوة إيجابية ومهمة، من شأنها أن تعزز الرقابة وتحد من الانتهاكات داخل مراكز التوقيف، كما تتماشى مع الالتزامات الدستورية والدولية للعراق في مجال حقوق الإنسان. وقال التميمي لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن “هذه الخطوة سيكون لها مردود قانوني كبير، إذ ستقلل من المخالفات، وتوفر الحماية للمتهمين، خاصة في ظل مصادقة العراق على اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، التي تُلزم الدول بمراقبة السجون والمواقف ومنع التعذيب بأشكاله كافة ومساءلة المقصرين”. وأضاف، أن «الدستور العراقي في المادة (37) يحظر التعذيب الجسدي والمعنوي، كما أن المواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تؤكد على منع التعذيب بكل أشكاله»، مشيرًا إلى، أن «المادة (127) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 تمنع أي نوع من أنواع التعذيب أو الإكراه بحق المتهمين، وبالتالي فإن توثيق التحقيقات سيشكل رادعًا قانونيًا، ويجعل المحقق في مراكز الشرطة أكثر التزامًا وتحسبًا من ارتكاب أي مخالفة وهي خطوة بالاتجاه الصحيح». واقترح التميمي، «تعديل المادة (50) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تخول الأجهزة الأمنية بالتحقيق»، مؤكدًا، أن «هذا الإجراء يتعارض مع المادة (47) من الدستور العراقي، التي تنص على مبدأ الفصل بين السلطات، إذ إن التحقيق من صميم عمل الجهات القضائية فقط، ممثلة بقضاة التحقيق أو المحققين القضائيين والادعاء العام».وأوضح، «اليوم هناك حاجة ماسة لتفعيل هذا الإجراء بما ينسجم مع التزامات العراق الدولية، وخصوصًا أن أي اعتراف يُنتزع بالإكراه هو باطل قانونًا وفق أصول المحاكمات، ويحاسب عليه المحقق».ولفت إلى، أن «التحقيق اليوم يُعد عِلمًا قائمًا بذاته، ويجب أن يرتكز على قواعد علم النفس الجنائي، والمهارات التقنية والقانونية، بعيدًا عن الأساليب التقليدية والبالية كالتعذيب والضرب، التي لم تعد مقبولة في أي منظومة قانونية حديثة”، مبينًا، أن «الآلية الجديدة التي وجه بها رئيس الوزراء ستكون بوابة لكل الاجراءات الصحيحة التي ستنفذ بالمستقبل وأهمها أن يكون التحقيق من قبل الجهات القضائية». ودعا التميمي نقابة المحامين إلى، «تبنّي مشروع تعديل قانون أصول المحاكمات، بما يسهم في إنهاء إشكاليات التحقيق، ويحفظ سمعة العراق أمام المجتمع الدولي، خاصة في ظل اتفاقية مناهضة التعذيب التي تحظر أي تجاوز على حقوق الإنسان».
|