غفار عغراوي وسط عواصف إقليمية متلاطمة، وانهيارات صامتة على جبهات عديدة، شهدت العاصمة العمانية مسقط لقاءً غير مباشرًا بين خصمين تقليديين( كلاسيكو ): واشنطن وطهران. لا شيء يحدث في مسقط صدفة أو بدون مقدمات، فهي مدينة الأسرار الهادئة، التي لطالما كانت منصة لحواراتٍ لا تخرج تفاصيلها بسهولة وبسرعة للعلن. هناك اسئلة مطروحة من قبل المراقبين تحتاج إلى تفكيك قبل الإجابة: أولًا: لماذا المفاوضات جرت في هذا الوقت ؟ بطبيعة الحال التوقيت بالغ الذكاء من الطرفين. فان إيران تعاني داخليًا من ضغط اقتصادي خانق، وواشنطن تبحث عن هدنة استراتيجية في ظل انشغالها بتبعات حرب أوكرانيا وتوتر المحيط المفترض أن يكون الهادئ، وكذلك تفاقم الأزمة في غزة. الطرفان لا يريدان حربًا مفتوحة، لكن لا يريدان خسارة أوراق الضغط أيضًا. لذا جاءت هذه المفاوضات على طريقة “نصف حرب، ونصف سلام”. السؤال الثاني : لماذا عمان؟ إن عُمان ليست مجرد وسيط محايد، بل هي لاعب إقليمي يعتمد على قوة الصمت والدبلوماسية الهادئة. فاختيار مسقط لم يكن اعتباطًا، بل إشارة إلى أن كل طرف مستعد لخطوة، بشرط أن لا تُحسب عليه هزيمة علنية. فمنطقة الخليج لم تعد تتحمّل مغامرات جديدة، خصوصًا بعد تحولات السعودية المتسارعة نحو الداخل والاستثمار، وتذبذب الموقف الإماراتي وما يحدث في قطر والبحرين ليس بعيداً. أما العراق فعلى الرغم من أنه لم يكن حاضرًا رسميًا على طاولة مسقط، إلا أن اسمه كان حتماً يتردد في كواليس النقاش. فالعراق يمثل اليوم واحدة من أبرز ساحات النفوذ المتنازع عليها بين إيران والولايات المتحدة. لذلك، فإن أي تهدئة أو تصعيد بين الطرفين تنعكس بشكل مباشر على المشهد العراقي، سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا. السؤال الثالث: ماذا تريد واشنطن؟ إن واشنطن تريد صفقة تكتيكية، لا استراتيجية. تريد أن تُجمّد طهران أنشطتها النووية مقابل تخفيف مدروس للعقوبات، دون أن تُعيد تفعيل الاتفاق النووي بالكامل. الهدف من ذلك إرضاء الداخل الأمريكي قبيل الانتخابات، وإيصال رسالة لإسرائيييل بأنها قادرة على ضبط إيقاع المنطقة دون الدخول في معركة شاملة. السؤال الرابع: وماذا تريد طهران؟ اما طهران فإنها تريد أكثر من صفقة. إنها تبحث عن اعتراف ولو ضمني بدورها الإقليمي. تريد من أمريكا أن تتعامل معها كدولة محورية، لا كدولة مارقة. السؤال الخامس: ماهي التوقعات القادمة؟ إن هذه الجولة لن تُفضي إلى حلول فورية أكيدا، لكنها تشكّل أرضية جديدة يمكن البناء عليها. التحدي الأكبر يكمن في قدرة الطرفين على تجاوز الضغوط الداخلية: الكونغرس من جهة، والحرس الثوري الإيراني من جهة أخرى. وببساطة الكلام نقول إن مسقط لم تكن فقط مسرحًا لمفاوضات تقنية، بل كانت مرآة تعكس حجم التحول في ميزان القوى الإقليمي. والمفارقة أن أمريكا وإيران، رغم العداء الظاهري، يتفقان في العمق على أمر واحد: “أن الاستقرار ضرورة، بشرط أن يكون وفق شروطهما”. فهل ستلد هذه المفاوضات شرقًا أوسط جديدًا؟ أم أننا نعيش مجرد فصل هادئ قبل العاصفة الكبرى؟ |