القاضي علي حسين جفات تُعد عملية البحث عن الذات من اهم الاسباب الدافعة للانتماء الى التنظيمات الارهابية في المجتمعات العربية والاسلامية، حيث البيئة والثقافة السائدة لا تدعم الفرد دعماً حقيقياً في التعرف على ذاته، واكتشافها واطلاق مواهبها وإبداعاتها، ولذلك يصبح من السهل الانقياد لما يحيط بالفرد من اتجاهات وأفكار وظروف، وأيضاً دور المجتمع في التمييز بين الأفراد بطريقة غير واضحة المعالم، مما يترتب عليه فقدان الذات وعدم تحديد ملامحها لعدد غير قليل من الناس، ولذلك كانت قيَم الموت التي تحييها التنظيمات الإرهابية هي الدافع الكبير لمجهولي الذات، فهو لم يجد ذاته ليتمسك بها ويدافع عنها، وإنّما يمنحها رخيصة بلا ثمن، فيكون الانتماء لجماعة رباطها التماسك القوي بين أفرادها ، فتمنحه الجماعة الإرهابية قيمة ذاتية لم يجدها في مجتمعه، وتُصاغ القيم الذاتية التي تمنحها الجماعات المتطرفة للمنتمين إليها بقيم عالية ورفيعة، مؤَيّدة بغطاء ديني، الأمر الذي يترتب عليه اندماج وانصهار الذات الفرديّة للمنتمي بالصيغة الذاتية الجماعيّة التي تتحكم بها الجماعة ، فالذات المكتشفة والتي أصبحت هي الملاذ، ليست بالحقيقة ذاتاً فردية يتمتع بها المنتمي، وإنما هي (سلوك جماعيّ)، فالجماعة لها صبغة واحدة، لا وجود فيها للتمايز بين الأفراد، فالثقافة السائدة في هذه التنظيمات هي ثقافة الجماعة، والذاتيّة الفرديّة هي ألد أعداء البناء الاجتماعي في التنظيمات الإرهابيّة، فهي تتقاطع وتتعارض مع الليبراليّة الفرديّة بقوة، فهي تحدد معالم السلوك الجماعي، فالجماعة الإرهابية هي مصدر السلوك الذي من خلاله تتفاعل الجماعة مع العالم المحيط بها، فلا وجود للذاتيّة الفردية مطلقا، ولذلك كانت هذه التنظيمات بؤرة يجتمع فيها من فقد ذاته وذهب يبحث عن ذاته من خلال الجماعة التي تؤويه وتسانده و تمنحه هويّة جديدة، يقطع من خلالها أوصال ذاته في الماضي والحاضر والمستقبل، لأنَ هذه المفاهيم الثلاثة هي التي تبني شخصية الذات ومن دونها يصبح التعرف على الذات واكتشافها أمراً مستحيلاً. إن عملية ذوبان الذات الحقيقيّة واستبدالها بهويّة وهميّة وخيالية ليس لها وجود في العالم الحقيقيّ، إنما وجودها في سرديات هذه الجماعات وثقافاتها، فهذه الصبغة الجماعيّة ليس لها جذور تربطها بذات الماضي لكي تستمد منها القيم والتراث، وهي مقطوعة عن ذات الحاضر، فالعالم الذي تعيشه هو افتراضيّ وغير واقعي، وليس لها غايات وأهداف تربطها بامتدادها المستقبلي. إن مدار البحث عن الذات في معناه العميق هو الكيفيّة التي يتم من خلالها الارتباط بالعالم الخارجيّ، لأن الذات الفاعلة هي التي تتفاعل مع الآخرين، وتتعايش معهم، بخلاف من لم يجد ذاته، فهو يؤثر الانعزال، عن عالمه ويرفض كل ما هو موجود، وهذه هي المرحلة الأولى من مراحل الانتماء والتي يتم فيها البحث عن ذات جديدة، الأمر الذي يشكل دافعاً قوياً للبحث عن جماعة غير جماعته، وبيئة غير بيئته، التي لم يكتشف فيها ذاته.
|