عامر الطائي رمضان شهر ليس كالأشهر، فهو لا يمرّ كما تمرّ الأيام، بل ينزل على القلب كما تنزل الرحمة، وتنساب الروح فيه كما ينساب النور في الفجر الجديد. وإنني لأعجب كلما جاء هذا الشهر، كيف يغيّر في الناس أحوالهم، ويبعث في نفوسهم طمأنينة لو بحثوا عنها في غيره لما وجدوها. فلا الطعام هو الطعام، ولا الليل هو الليل، ولا النهار هو النهار. كل شيء يتبدّل، لا في جوهره المادي، ولكن في معناه الروحي. قرأت منذ أيام نصائح جليلة للشيخ بهجت – رحمه الله – فيها من الإشارة الدقيقة ما يدل على فهم عميق لنفس الإنسان ومكامن ضعفه وقوته. قال: “لا تجلس وحيداً، فالوحدة تجعل الإنسان تعيساً وعصبياً”، وأنا أقول: ما أحوج الناس في هذا الشهر إلى الصحبة الطيبة، إلى من يذكرهم بالله، ويعينهم على الطاعة، ويواسيهم عند الضيق. ثم يقول: “لا تؤخر الصلاة عن وقتها”، فالصلاة، يا سادة، ليست عادة تؤدى، بل هي لحظة لقاء بين العبد وربه، لحظة يتوقف فيها الزمن، ويُستعاد فيها معنى الإنسان في حضرة الإله. وإن رمضان ليدعونا في كل يوم خمس مرات إلى هذا اللقاء النوراني، فلا نؤخره، ولا نتهاون فيه. وأما قوله: “كرّر لا حول ولا قوة إلا بالله”، فوالله إن فيها من أسرار الراحة ما لا يدركه إلا من جرّبها. كلمات قليلة، ولكنها تحمل جبال الهموم، وتلقيها عند باب الله، فيهدأ القلب، ويصفو العقل، وتستنير النفس. يا قارئي العزيز، لنجعل من هذا الشهر المبارك فرصة لأن نكون أقرب إلى ذواتنا، أقرب إلى من نحب، وأقرب إلى الله. ففــــي الأنس بالله، وفي الصحبة الصالحة، وفي العبادة الخاشعة، تكمن حقيقة رمضان. |