طه حسن الاركوازي الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) هو الابن الأكبر للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وُلد في المدينة المنورة في 15 رمضان سنة 3 هـ ، وكان أول حفيد للرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) سماه النبي بنفسه وباركه ، وكان معروفاً منذ طفولته بحلمه وحكمته وأفق تفكير وكرمه . بعد أستشهاد والده الإمام علي (عليه السلام) عام 40 هـ، تسلّم الإمام الحسن (عليه السلام) الخلافة في ظل أوضاع سياسية معقدة حيثُ كانت الدولة الإسلامية تعاني من أضطرابات داخلية ، وكان الجيش الذي ورثه عن أبيه منقسماً ، مخترقاً من قبل أنصار معاوية والمترددين ، في المقابل ، كان معاوية يملك جيشاً مُنظماً وموارد سياسية وأقتصادية ضخمة . يُعد الإمام الحسن (عليه السلام) من أبرز الشخصيات الإسلامية بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام)، حيث لعب دوراً محورياً في مرحلة ما بعد استشهاد والده ، وقد تجلت حكمته في تعامله مع الظروف السياسية المعقدة ، خاصة في صلحه مع معاوية بن أبي سفيان ، وعلى الرغم من أن هذا الصلح قد يبدو للبعض تنازلاً ، إلا أنه كان يحمل بُعداً استراتيجياً بعيد المدى ، حيثُ مهد بطريقة غير مباشرة لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء . الصلح كقرار أستراتيجي .!: كان صلح الإمام الحسن (عليه السلام) قراراً أستراتيجياً نابعاً من رؤية بعيدة المدى ، هدفه حقن دماء المسلمين ومنع دمار الأمة ، لكن معاوية ، بمجرد أستتباب الحكم له ، نقض العهد وأثبت أنه لا يسعى (( إلا إلى السلطة )) .؟ مما كشف زيف شعاراته أمام الأمة وأرسى الأسس لرفض حكم بني أمية لاحقاً . الإجراءات السياسية التي اتخذها الإمام الحسن (عليه السلام) : الصلح مع معاوية (صلح الحسن) : أتخذ الإمام الحسن (عليه السلام) قراراً تاريخياً بالمصالحة مع معاوية ، وهو ما يُعرف بصلح الحسن ، إذ وافق على التنازل عن الخلافة مؤقتاً لحقن الدماء وتجنب فتنة داخلية مدمرة بعد معركة صفين ، تُشير الروايات الموثوقة ومنها ما ورد في بعض مصادر أهل السنة إلى أن الإمام الحسن (عليه السلام) فضّل حفظ الأرواح على تحقيق مكاسب سياسية قصيرة المدى . الأسباب التي دفعت الإمام الحسن (عليه السلام) إلى الصلح : 1- أنهيار معنويات جيشه وخيانة القادة : ذكر المسعودي في مروج الذهب أن جيش الإمام الحسن (عليه السلام) كان يعاني من التخاذل ، حيث بايع بعض قادته معاوية سراً ، كما يروي الطبري أن معاوية أرسل الرشاوى لبعض القادة ، فبدأوا بالفرار إلى جيش الشام . 2- تآمر القبائل وضغط الظروف السياسية : أورد ابن الأثير في الكامل في التاريخ أن بعض زعماء القبائل في جيش الإمام الحسن (عليه السلام) كانوا يميلون لمعاوية طمعاً في المال ، وعندما تعرض الإمام الحسن (عليه السلام) لمحاولة أغتيال من بعض الخوارج ، أدرك أن أستمرار الحرب قد يؤدي إلى إبادة شيعته ووقوع مذبحة عظيمة .؟ 3- كشف زيف حكم معاوية : كان الإمام الحسن (عليه السلام) مدركًا أن الحرب المباشرة لن تؤدي إلا إلى أستنزاف قوى الحق لصالح الباطل ، لذلك وضع شروطاً في الصلح منها : أ. أن لا يورث معاوية الحكم لابنه يزيد .؟ ب. أن ألا يظلم شيعة أهل البيت (عليهم السلام) . ولكن بمجرد أن أستقر له الحكم ، خرق معاوية جميع الشروط وأظهر أستبداده وظلمه ، مما ساهم في تأجيج المعارضة ضد بني أمية ، وكان أحد العوامل التي ساعدت على قيام ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) . 4- إعادة تعريف القيادة الشرعية : عبر الصلح ، أراد الإمام الحسن (عليه السلام) أن يؤكد أن القيادة ليست مجرد سلطة سياسية ، بل هي مسؤولية قائمة على المبادئ الإسلامية الحقيقية وبالفعل ، بدأ الناس يدركون الفرق بين قيادة بني أمية القائمة على القهر والظلم ، وبين قيادة أهل البيت (عليهم السلام) القائمة على العدل والحكمة . 5- التمهيد لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) : بعد استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام) في عام 50 هـ ، بدأت مرحلة جديدة من التمهيد لثورة كربلاء ، حيث ساهمت سياساته الحكيمة في : 1. ترسيخ مبدأ رفض الظلم : رغم صلحه مع معاوية ، لكن لم يمنحه الإمام الحسن (عليه السلام) شرعية ، بل فضحه أمام الأمة ، مما أدى إلى تصاعد المعارضة ضد بني أمية . 2. توفير القاعدة الشعبية لثورة كربلاء : الصلح سمح ببقاء شيعة أهل البيت (عليهم السلام) على قيد الحياة ، مما مكنهم لاحقاً من دعم الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته . 3. إبقاء راية أهل البيت (عليهم السلام) مرفوعة : من خلال مواقفه ، ضمن الإمام الحسن (عليه السلام) أستمرار الوعي بقضية أهل البيت ، وهو ما ظهر جلياً في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) . دروس من سياسة الإمام الحسن (عليه السلام) للواقع العراقي .؟ قدم الإمام الحسن (عليه السلام) نموذجاً فريداً في الحكمة السياسية ، لكن يبدو أن هناك فجوة كبيرة بين المبادئ التي جسدها وبين ممارسات الطبقة السياسية في العراق اليوم ، فقد كان الأئمة (عليهم السلام) رمزاً للحكمة والعدل وخدمة الناس |