ناجي الغزي منذ عام 2003، والعراق يعيش حالة من إعادة التشكل السياسي وفق توازنات داخلية وخارجية معقدة. وعلى الرغم من أن المنصب التنفيذي الأهم، رئاسة الوزراء، كان من نصيب الشيعة وفق معادلة توافقية، إلا أن هناك مخططًا يُحاك بهدوء لإعادة توزيع السلطة بشكل تدريجي دون الحاجة إلى مواجهات عسكرية، بل عبر أدوات أكثر تعقيدًا مثل المال، الإعلام، والتلاعب السياسي. المثير في هذا المخطط أنه لا يُنفَّذ بشكل مباشر من قبل الولايات المتحدة، بل من خلال تركيا كوكيل إقليمي، مستفيدة من دعم خليجي ورعاية أمريكية غير مباشرة، بهدف تفكيك التوازن السياسي الحالي واستبداله بتركيبة جديدة تخدم المصالح الإقليمية والدولية، على حساب الشيعة والكرد على حد سواء. أولًا: لماذا تستهدف تركيا منصب رئاسة الوزراء في العراق؟ من الناحية النظرية، يروّج البعض لفكرة أن “الشيعة لم يستفيدوا من رئاسة الوزراء”، لكن السؤال الأكثر أهمية هو: إذا كان هذا المنصب غير مهم، فلماذا هذا الإصرار على انتزاعه منهم؟ للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من النظر إلى أبعاد السيطرة على السلطة التنفيذية: 1. رئاسة الوزراء هي مركز القرار السياسي والأمني والاقتصادي، وهي التي تسيطر على القوات المسلحة، الموارد المالية، والسياسة الخارجية. 2. إضعاف الشيعة في هذا المنصب يعني حرمانهم من النفوذ الحقيقي داخل الدولة، حتى لو حصلوا على مناصب شكلية مثل رئاسة الجمهورية أو رئاسة البرلمان. 3. تحويل الكرد إلى مكوّن “سني” بدلاً من “قومي” يعني خلق تحالف جديد مدعوم من تركيا، يسعى إلى تقليص النفوذ الشيعي. 4. تركيا تريد استخدام هذا التغيير لصالح مشروعها الإقليمي، حيث تسعى إلى تحقيق نفوذ أكبر في العراق، كما فعلت في سوريا وليبيا. بالتالي، فإن أي محاولة لنقل منصب رئاسة الوزراء من الشيعة إلى مكوّن آخر ليست مجرد “إصلاح سياسي”، بل هي إعادة هندسة للسلطة في العراق بما يخدم أجندات خارجية، وليس مصلحة العراقيين. ثانيًا: لماذا تتحالف أمريكا وتركيا في هذا المشروع؟ رغم اختلاف الأجندات بين واشنطن وأنقرة في عدة ملفات، إلا أن هناك تلاقٍ في المصالح داخل العراق: 1. أمريكا تسعى إلى تقليل النفوذ الإيراني في العراق، لكنها لا تريد مواجهة مباشرة مع القوى الشيعية، لذا تستخدم تركيا كأداة لتنفيذ سياستها. 2. تركيا ترى العراق كجزء من مجال نفوذها التاريخي، وهي تسعى إلى تقوية السنة العرب والكرد تحت رايتها، لإعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي. 3. المشروع الخليجي يتلاقى مع هذا المخطط، لأن بعض دول الخليج تدعم أي خطوة تُضعف النفوذ الشيعي في العراق، حتى لو كان ذلك عبر تركيا. الولايات المتحدة، رغم أنها لا تُظهر دعمها العلني لهذا المخطط، إلا أنها تسهّل حدوثه عبر: • عدم معارضة الدور التركي في العراق، بل السماح له بالتمدد. • الضغط على القوى السياسية الشيعية داخليًا عبر أدوات مثل العقوبات، التلويح بدعم الاحتجاجات، وملفات الفساد. • الترويج لفكرة أن رئاسة الوزراء ليست ذات أهمية، لخلق انقسام داخل الشارع الشيعي. ثالثًا: تفكيك الهوية الكردية وتحويلها إلى طائفية سنية لعل أخطر ما في هذا المخطط ليس فقط استهداف الشيعة، بل محاولة تفكيك الهوية السياسية للكرد. فمنذ سقوط نظام صدام، ظل الكرد يحتفظون بهويتهم القومية، بعيدًا عن الاصطفاف الطائفي، وهو ما منحهم قوة تفاوضية كبيرة. لكن المخطط الجديد يسعى إلى: 1. إخراج الكرد من معادلة “الشريك القومي” وتحويلهم إلى “جزء من المكوّن السني”، مما يعني فقدانهم لورقة التفاوض القومية التي طالما استخدموها. 2. تقليل مساحة الاستقلالية الكردية، عبر دمجهم في مشروع تقوده تركيا، بدلًا من أن يكونوا طرفًا مستقلاً بين بغداد وأنقرة. 3. إضعاف الحلم الكردي بالاستقلال، لأن الهوية الطائفية ستجعلهم جزءًا من معركة ليست معركتهم الأصلية. هذا التغيير ليس في صالح الكرد على المدى البعيد، لأنهم سيفقدون ميزتهم الاستراتيجية، وسيتحولون إلى “تابع سياسي” لتركيا بدل أن يكونوا قوة مستقلة في المعادلة العراقية. رابعًا: الأدوات المستخدمة في تنفيذ المخطط 1. المال السياسي: السيطرة عبر الإغراءات المالية الانتخابات القادمة في العراق ستكون انتخابات أموال أكثر من كونها انتخابات مبادئ، حيث يتم ضخ مليارات الدولارات من قبل تركيا والخليج لدعم قوى سياسية سنية وكردية داخل المناطق الشيعية، بهدف: • تفتيت الصوت الشيعي عبر شراء الذمم واستمالة الناخبين. • إقناع الناخب الشيعي بأن “رئاسة الوزراء لم تنفعه”، وبالتالي لا داعي للدفاع عنها. • خلق تحالفات جديدة داخل البرلمان تمنع وصول مرشح شيعي قوي إلى المنصب. |