د.شامل محسن هادي ال مباركه الجزء الاول من مستنقعات جنوب العراق إلى الأحياء الفقيرة في كراتشي، مروراً بقرية بوشت أسميدان في افغانستان، كان الشيعةُ هم المستضعفين ـ المضطهدين والمهمشين من قِبَل الأنظمة السنُّية الحاكمة. فتح نجاح الثورة الأسلامية في إيران شهية الحكومات السنّية والحركات السلفية المتشددة، بذبح وتهجير الشيعة، أمتد إلى كل المناطق في العالم، ليُعيد تاريخ الحكم العثماني ومِن قبلهِ الحكمُ العباسي، مما دفع بعض الحركات الشيعية كحركة أمل و حزب الله اللبنانية، والدعوة الإسلامية في العراق، وحزب الوحد في افغانستان، و الحركة الجعفرية في باكستان وغيرها اللجوء إلى الجمهورية الإسلامية لطلب الدعم. أنعش استيلاء الاستعمار العثماني السُنّي على بغداد في عام ١٥٣٣، من سيطرة الإمبراطورية الفارسية، في إستعادة الحكم السنّي، طموحات الرجوع إلى الحقبة العباسية التي كانت مقرها في بغداد لأكثر من خمسة قرون، مارست التنكيل بالشيعة، ودفنهم أحياء في مقابر جماعية. عزز مخاوفَ السنّة سقوطُ النظام الدكتاتوري في العراق عام ٢٠٠٣، لِيستحضروا الثورات الشيعية ضد الخلافة الأموية والعباسية في التاريخ الإسلامي المبكر. كما صور الإعلام المضلل بأن العراق سيكون أول دولة عربية تصبح شيعيةً علناً. علاوة على أن الانتقال من سيطرة السُنّة إلى الهيمنة الشيعية قد أقلق الدول السنّية. يزعُم الخائفون بأن إحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء في أيار ٢٠٠٣، والذي شارك فيها نحو مليوني شيعي، بمثابة شهادة مبكرة على حقيقة مفادها أن العراق أصبح الآن دولة شيعية، والذي سيُحرّك التنظيمات الشيعية كحزب الله السعودي، وتجمع علماء الحجاز، والحركة الإصلاحية، و كتلة الوفاق البحرانية بالمطالبة من دول المماليك بالحقوق السياسية والدينية للشيعة. يدّعون زوراً بإن الروابط التنظيمية والدينية بين الحوزات الشيعية في إيران والعراق ليست سوى الرابط الأكثر وضوحاً في شبكة آيات الله وممثليهم ومنظماتهم والحوزات الشيعية الممتدة من لكناو في الهند إلى زنجبار في تنزانيا لِتمتد الى مدينة ديربورن في ميشيغان. لم ينجُ الشيعة حتى من المفكرين في الغرب، فقد ذكر الدكتور إسحاق نقاش في كتابه: إن هيمنة علماء الدين على السياسة الشيعية في العراق اليوم تعني أن النهضة الشيعية في البلاد ستغير حتماً ثقافة البلاد ومكانة الدين فيها، الأمر الذي سيؤثر بشكل عميق على العلاقات بين الشيعة والسنة داخل العراق وكذلك في المنطقة ككل! (راجع كتاب «شيعة العراق»، The Shi>is of Iraq، صفحة ١٧ - ٢٦، أستاذ مساعد دكتور إسحاق نقاش، جامعة برينستون الأمريكية، ٢٠٠٣) العنف الذي تعرّض له شيعة العراق، بعد عام ٢٠٠٣، ولِدَ أولاً في جنوب آسيا وأفغانستان في تسعينيات القرن الماضي على يد جماعات مسلحة مرتبطة بطالبان وتنظيم القاعدة، كالهجمات التي وقعت في كراتشي وكويتا ومزار شريف. لذا، هجمات المتشددين في العراق هو نتاج لتنافس متجذر في المنطقة أكثر من كونه نتيجة مباشرة للتطورات الأخيرة في العراق. بعبارة أخرى، إن صعود النجم الشيعي وتراجع القوة السنية في العراق لم يخلقا التشدد السني فحسب؛ بل أنعشاه وشجعاه. إنتقل فايروس العداء للشيعة من الوهابية إلى الحكومات من نيجيريا إلى إندونيسيا وماليزيا وما يمثلوه من الهوية السنّية لرسم إسفين واضح بين الإسلام السني والشيعي، فأثنت على الأول ـ وحكوماتها كمدافعة عنه ـ ووصفت الثاني بالتطرف الرافضي. نشأت الوهابية في شبه الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر، وهي اليوم المذهب السائد في المملكة العربية السعودية والإمارات. إن عداء الوهابية للشيعة قديم قِدَمِ المدرسة نفسها؛ غزت الجيوش الوهابية جنوب العراق ودنسوا مراقد الشيعة المقدسة في كربلاء في عام ١٨٠١. طوال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، أصدر علماء الوهابية فتاوى تسمّي الشيعةَ بالرافضة و الكفار. تبنّت طالبان نفس الآراء؛ وصفوا مذبحتهم للشيعة في مزار شريف في عام ١٩٩٧ بأنها «انتقام الحقيقة». (راجع بحث «التداعيات الإقليمية لصحوة الشيعة في العراق»، Regional Implications of Shi‘a Revival in Iraq، صفحة ١٣، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، واشنطن ٢٠٠٤) لم يكتفِ الحكام من صدام حسين في العراق إلى ضياء الحق في باكستان بالتأكيد على الهوية السنّية لبلدانهم وأنظمتهم، بل سمحوا أيضاً بقتل الشيعة. مارس صدام حسين أبشع الجرائم ضد شيعة العراق، كما تركت موجةُ التفجيرات في باكستان ندوباً في التأريخ الشيعي المعاصر و عاراً في سجلّ الوهابية. كان أعظم طارق، زعيم جيش الصحابة الباكستاني، أحد أكثر القوى الطائفية المناهضة للشيعة عنفاً في البلاد والتي ترتبط بطالبان والقاعدة، الحليف الإسلامي الأكثر شهرة للرئيس برويز مشرف. كما انخرطت حركة طالبان، التي كانت أفكارها تتبلور في المعاهد الدينية التي تتلقى تمويلاً من المملكة العربية السعودية، وحلفاؤها في أفغانستان والهند وباكستان في قصف المساجد الشيعية واغتيال زعماء الشيعة والمسؤولين الحكوميين والشخصيات الدينية، و ذبح الشيعة في باميان في عام ١٩٩٨. (راجع كتاب «طالبان: الإسلام المتشدد والنفط والأصولية في آسيا الوسطى»، Taliban: Militant Islam, Oil and Fundamentalism in Central Asia، ص ٦٢ - ٦٤، جامعة ييل الأمريكية، ٢٠٠١). |