السيد بلال وهبي رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “مَنْ تَعَزَّزَ بِاللّهِ لَمْ يُذِلَّهُ شَيْطانٌ” معادلة تربط بين الاعتماد على الله تعالى والعزَّة أمام الشيطان، والشيطان لا يقتصر على إبليس وقبيله، بل يتسع مفهومه ليعمّ كل طاغ متمرِّد يأمر بالطغيان والتمرَّد على معصية الله، وفعل ما يُقَبِّح العقل فعله، ويمارس الخداع والمكر والتزيين، ويجعل الباطل حقاً والحق باطلاً، ويُضِلُّ ويُغوي ويُغري. وبكلمة أخرى: هناك علاقة بين علاقة المؤمن العميقة بالله تعالى، وبين قوَّته أمام الشيطان وعدم تأثُّره به، فالتعزُّزُ بالله يعني القوّة والتمكُّن، ومِمّا لا شكَّ فيه أن الذي يرتبط بالله تعالى ارتباطاً وثيقاً، يجعله ذلك في كنف الله وحِرزه ورعايته ومن يكن في كنف الله وحِرزه فلن يكون للشيطان تأثير عليه، ولاسلطان، فكونه مع الله يمنحه قوّة معنوية وروحية تمنحه الثبات والقوّة في مواجهة الشيطان ووسوسته وتزيينه وخداعه. هذه المعادلة مستقاة من مَعين القرآن الكريم، حيث أكَّد الله تعالى أن ليس للشيطان سبيل ولا سلطان ولا تأثير على المؤمنين الحق، وليس في مقدوره أن يزيِّن لهم، لأنهم في حمى الله، ولأن مداخله إلى نفوسهم قد أغلقوها بوعيهم وبصيرتهم وحَذَرِهم منه، وأن تأثير الشيطان مقتصر على أوليائه من العُصاة، والمذنبين، والحيارى والضُّلَّال والغاوين، قال تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴿الحِجر: 42﴾ بلى إنما سلطانه على من يتبعه من الغاوين الضالين، لأنهم من يتأثرون به ويتبعوه، وهم من يُسلِموه قيادهم، فيمضي بهم الشيطان حيث يشاء وأنّى يشاء. وقال تعالى: …فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿98﴾ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿99﴾ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴿النحل: 100﴾ إن الذين انعقدت قلوبهم على الإيمان بالله تعالى، وارتبطت به ارتباط العقل والروح والمشاعر والعواطف، هؤلاء لا يملك الشياطين من الجن والإنس أن يسيطروا عليهم مهما وسوسوا لهم، فإن صِلَتهم بالله تعالى تعصمهم أن ينساقوا معهم، قد يخطئون، لكنهم لا يستسلمون لخطئهم، فسريعاً ما يتذكرون ويؤوبون إلى الله تعالى من قريب. وحدهم الذين يوالون الشياطين بإرادتهم، وحدهم الذين يُمَكِّنون الشياطين من رقابهم، وحدهم الذين يخضعون لشهواتهم ونزواتهم وأهوائهم، هؤلاء يسيطر الشياطين عليهم، ويقبضون على رقابهم، ويجعلون منهم عبيداً لهم، يوضِح هذه الحقيقية القاتمة المشهد الذي يعرضه لنا الله تعالى في كتابه الكريم، وهو مشهد العتاب والاتهامات المتبادلة بين الذين ظلموا أنفسهم من الضّالّين والمُضلّين، الضالِّون يقولون للذين أضلوهم: أنتم مسؤولون عَمّا نحن فيه، لأنكم كنتم توسوسون لنا، فينبري الضّالّون لردّ التُّهمة عنهم فيقولون: أنتم لم تكونوا مؤمنين، فلم تكن وسوستنا هي التي أغوتكم بعد إيمان، وأضلتكم بعد هدى، وما كان لنا عليكم من سُلطان نُرغِمكم به على قبول ما نراه، و نضطركم إليه اضطراراً لا ترغبون فيه، بل أنتم كنتم متجاوزين للحق، ظالمين لا تقفون عند حد، يقول سبحانه: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ ﴿27﴾ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ ﴿28﴾ قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴿29﴾ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتـــُمْ قَوْمًا طَاغِينَ ﴿30﴾ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ ﴿31﴾ فَأَغْوَيْنَاكُــمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴿الصافات: 32﴾ نستنتج مِمّا سبق أنه بمجرد أن يؤسس الإنسان علاقته بالله ويعتمد عليه، تصبح الحماية الإلهية حاضرة كدرع يحميه من وساوس الشيطان، مِمّا يجعل أي محاولة للتأثير عليه وفيه عاجزة عن تحقيق تأثيرها السلبي. وأنه عندما يعتمد الإنسان مبدأ “التعزُّز بالله”، فإنه لا يسعى إلى الاستعانة بالله في مواجهة الصِّعاب وحسب، بل يُعزِّز بذلك ثقته في قدراته وموقفه أمام تحديات الحياة، هــــذا الاعتماد على الله يمنحه قدرة على الصمود والثبات في مواجهة الضغوط والاختبارات اليومية، سواء كانت على الصعيد الاجتماعي أو النفسي أو الروحي. |