بهاء الخزعلي الولايات المتحدة الأمريكية، التي خرجت من حربها الأهلية الأولى (1861–1865) بتجربة مدمِّرة خلَّفت أكثر من 600 ألف قتيل، تواجه اليوم أسئلة وجودية حول إمكانية تكرار السيناريو في القرن الحادي والعشرين. في ظل تصاعد الاستقطاب السياسي، والتفكك الاجتماعي، وتآكل الثقة في المؤسسات، يطرح الخبراء سيناريوهات متعددة لصراع داخلي قد لا يشبه الحرب التقليدية، لكنه قادر على زعزعة استقرار الدولة الأقوى عالميًّا. هذا المقال يستكشف تلك السيناريوهات بناءً على تحليل العوامل الحالية والمؤشرات المتصاعدة. *العوامل المُحرِّكة: لماذا يعود شبح الحرب الأهلية؟ 1.الاستقطاب السياسي كـ”قنبلة موقوتة”: – تحوَّل الصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين إلى معركة وجودية، حيث يعتبر 40% من الناخبين في كل حزب أن الطرف الآخر “يهدِّد أسس أمريكا” (استطلاع مركز بيو، 2023). – تصاعد خطاب “الانتخابات المسروقة” ورفض شرعية النتائج، كما حدث بعد انتخابات 2020 و2022، يُضعف فكرة التداول السلمي للسلطة. 2.التفكك الهوياتي: – الانقسامات العرقية (حركة “حياة السود مهمة” مقابل القومية البيضاء)، والثقافية (الحروب حول حقوق المثليين، والإجهاض، والهجرة)، والجغرافية (الولايات الحضرية التقدمية مقابل الريف المحافظ) تخلق مجتمعات متوازية تعيش في “أمريكا مختلفة”. 3.انتشار الأسلحة والعنف المسلح: – يوجد في الولايات المتحدة أكثر من 393 مليون سلاح ناري (أعلى معدل عالمي)، مع تنامي ميليشيات مسلحة مثل “حراس القَسَم” (Oath Keepers) و”بوغالو بويز” (Proud Boys) التي تتبنى خطابًا عنيفًا. 4. أزمة شرعية المؤسسات: – تراجع ثقة الأمريكيين في الكونغرس (20% فقط)، والقضاء، ووسائل الإعلام التقليدية، يجعل الحلول السلمية للأزمات أكثر صعوبة. *السيناريوهات المحتملة: كيف قد تتجلى الحرب الأهلية الحديثة؟ السيناريو الأول: عنف لامركزي وحروب الشوارع: *الوصف: تصاعد أعمال عنف منظمة بين مجموعات متطرفة (يمينية متشددة، أناركية يسارية)، مع صراعات مسلحة في المدن الكبرى والمناطق الريفية. *المحفزات: – انتخابات رئاسية مُثيرة للجدل (مثل 2024) ورفض الاعتراف بالنتائج. – حادث كبير مثل اغتيال سياسي أو هجوم إرهابي تُنسب مسؤوليته إلى فصيل معين. *التداعيات: – فرض حظر تجول في ولايات متعددة، مع تدخل الحرس الوطني لقمع الاضطرابات. – انهيار اقتصادي جزئي بسبب تعطيل سلاسل الإمداد وانسحاب الاستثمارات الأجنبية. *السيناريو الثاني: انفصال ولايات محافظة: *الوصف: محاولة بعض الولايات ذات الأغلبية الجمهورية (مثل تكساس، فلوريدا) إعلان استقلال رمزي أو فعلي عن السلطة الفيدرالية، مدفوعة برفض سياسات الإدارة الديمقراطية (مثل قوانين السلاح، الهجرة). *المحفزات: – تمرير قوانين فيدرالية تُعتبر “مناهضة للدستور” من قبل المحافظين (مثل تشديد الرقابة على الأسلحة). – قرارات قضائية مثيرة للانقسام (مثل إلغاء حكم “رو ضد وايد” المتعلق بالإجهاض). *التداعيات: – أزمة دستورية حول سلطة الرئيس في فرض القانون بالولايات المتمردة. – مواجهات بين قوات فيدرالية وميليشيات محلية مدعومة من حكومات ولايات. *السيناريو الثالث: حرب أهلية إلكترونية وهجينة: *الوصف: استخدام التكنولوجيا كسلاح رئيسي، عبر: – اختراق البنية التحتية الحيوية (محطات الطاقة، أنظمة المياه). – نشر معلومات مضللة لتأجيج العنف بين الجماعات. – تمويل خارجي من دول مثل روسيا أو الصين لزعزعة الاستقرار. *المحفزات: – تصاعد الحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وبكين/موسكو، وتحويل أمريكا إلى ساحة معركة بالوكالة. *التداعيات: – انهيار جزئي لشبكات الاتصال، وتصاعد الفوضى دون حاجة لمواجهات عسكرية تقليدية. *السيناريو الرابع: انقلاب عسكري أو حكم طوارئ دائم: *الوصف: تدخل الجيش لإدارة الدولة في ظل انهيار تام للنظام السياسي، ربما بدعوى “إنقاذ الديمقراطية”. *المحفزات: – فشل الكونغرس والرئيس في احتواء أزمة دستورية (مثل شغور منصب الرئيس بعد انتخابات مشكوك فيها). – انتشار عنف عرقي أو طائفي على نطاق واسع. *التداعيات: – تعليق الدستور مؤقتًا، مع تحوُّل أمريكا إلى دولة عسكرية شبه ديمقراطية. – احتجاجات دولية وانعكاسات على الموقف الأمريكي العالمي. |