اللواء الدكتور سعد معن الموسوي تأمل النحلة، تلك الفنانة الصغيرة التي تحمل أجنحتها شفافية الصباح، وتنسج من خيوط الشمس قصيدة لا تُقرأ إلا بالقلوب. تراها تطوف بين الأزهار، كأنها عازفة تعزف لحناً خفياً على أوتار الطبيعة، أو شاعرة تهمس لبتلات الزهور سر الخلود. تعمل بصمت، ولا تطلب من الحياة سوى فرصة لتزرع في رحيق الأزهار بذور الأمل. ورغم أن عمرها قصير، كأغنية عابرة من نسيم الفجر، إلا أن حياتها مكتظة بالمعاني؛ فهي تقضي أيامها الأربعين في بذلٍ لا يعرف الكلل، لتمنحنا ملعقة من العسل تختزل قصة الجهد والصبر. أليس هذا النموذج المتقن من العمل هو انعكاس للحياة الإنسانية بكل تفاصيلها؟ كم من أيدٍ تبني في صمت، وكم من أرواح تنسج العطاء دون أن تنتظر تصفيقًا أو عرفانًا؟ تلك الجهود التي تبدو صغيرة للعيون، هي في حقيقتها أعمدة تُقام عليها الحياة. تقدير العمل في ضوء القرآن الكريم لقد دعا الإسلام إلى احترام الجهد الإنساني وعدم بخس الناس أشياءهم، حيث قال الله تعالى: »وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (سورة هود: 85). هذه الآية توضح أن التقدير والاحترام واجب أخلاقي وديني تجاه كل من يعمل ويبذل جهدًا مهما كان حجم هذا الجهد أو نوعه. فلا ينبغي لنا أن ننتقص من قيمة العمل أو نستخف بالإنجاز، مهما بدا بسيطًا في نظرنا. الجهود الصغيرة تصنع الفرق الكبير كثيرًا ما ننظر إلى أدوار معينة في المجتمع باعتبارها بسيطة أو هامشية، بينما هي في الحقيقة ذات تأثير عظيم على حياتنا. خذ على سبيل المثال عامل النظافة الذي يحرص على أن تكون شوارعنا نظيفة، أو الموظف الذي يسهر على تنظيم شؤون الناس في المكاتب. ربما لا نراهم دائمًا، وربما لا ندرك حجم التضحيات التي يقدمونها، لكن حياتنا ستكون أصعب بكثير دون جهودهم لقد أظهرت الدراسات العلمية أن تقدير الجهود يعزز من إنتاجية الأفراد ويحفزهم لبذل المزيد. فالشعور بالتقدير لا يقتصر على الجانب النفسي فقط، بل له أثر ملموس على جودة العمل والمجتمع ككل. في المقابل، فإن الانتقاص والتنمر يؤثران سلبًا على الروح المعنوية ويقوضان الحافز التنمر على العاملين: إساءة إنسانية التنمر على العاملين في أي مجال هو شكل من أشكال الظلم. إن التذمر أو التقليل من جهودهم لا يضرهم فقط، بل يكشف عن نقص في الوعي الأخلاقي والاجتماعي لدى المتنمر. علينا أن ندرك أن كل فرد يعمل بجد هو جزء من منظومة أوسع تسهم في استقرار المجتمع وازدهاره. العمل في المناصب العامة: جهد لا يُرى هناك أناس في المناصب العامة يقضون أيامهم في خدمة المجتمع، يعملون لساعات طويلة دون أن يحظوا بلحظات كافية مع أسرهم. مثل هؤلاء يحتاجون إلى دعمنا وتقديرنا بدلًا من انتقادهم بلا وجه حق. لا يمكننا أن نحكم على أحد دون أن ندرك حجم المسؤوليات التي يتحملها والصعوبات التي يواجهها. لنكن كالنحلة التي تعمل بلا كلل وتجني الخير للجميع. ولنتعلم أن نرى ما وراء العمل البسيط، أن نفهم الجهد والتعب، وأن نقدِّر كل من يساهم في تحسين حياتنا، مهما كان دوره. احترام الجهود وتقديرها ليس فقط واجبًا إنسانيًا، بل هو انعكاس لنبل أخلاقنا ووعي مجتمعنا. دعونا نكن أداة للتقدير والإيجابية، لا مصدرًا للتنمر والسلبية. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ». فلنعمل على الإتقان في أعمالنا، ولنمنح التقدير المستحق لكل من حولنا. |