السيد بلال وهبي رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “لِكُلِّ هَمٍّ فَرَجٌ، ولِكُـلِّ ضيـقٍ مَخْـرَجٌ” هذه حتمية يقرّرها الإمام أمير المؤمنين (ع)، وتشهد لها التجربة الإنسانية الطويلة، فما من هَمٍّ يدوم، وما من ضيق يستمر، الفرج يعقب الحرج، والمخارج من المضائق موجودة، وعلى المرء أن يبحث عنها. إذا كانت الحياة الدنيا زائلة كلها، فكل ما يكون فيها من هَمٍّ وغَمٍّ وحزنٍ فهو زائل أيضاً، وكل ما فيها عُسرٍ وضيق وضنَك فإنه يؤول إلى انفراج، ألا ترى فصول السنة كيف تجري ما جرت الأيام، كل فصل يعقبه فصل آخر؟!، وألا ترى كيف يتوارد الليل والنهار، هذا ينسلخ من ذاك، وذاك يعقبه هذا؟! كذلك الأحوال التي يعبرها المرء تتوارد عليه وتتبدَّل من حين إلى حين آخر. إن الله تعالى يقول: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿5﴾ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿6/ الانشراح﴾. ويقول تعالى: “… سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴿7/ الطلاق﴾. ويقول تعالى: “… وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴿2/ الطلاق﴾. ويقول تعالى: “حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا…” ﴿110/ يوسف﴾. ويقول تعالى: “أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴿214/ البقرة﴾. *إن* الآيات الشريفة المتقدمة جميعها تؤكد تلك الحقيقة التي سلفت الإشارة إليها، فالعسر يحمل في طياته اليسر، وهذه إرادة الله تعالى ورحمته ولطفه بعباده أن يجعل لهم من أمرهم يُسراً، ويجعل لمن يتقيه فَرَجاً ومَخرجاً، وأنه كلما اشتدت الأزمات وتعاظمت المصاعب، وعنفت الحروب واشتدَّ البأس كان ذلك إيذاناً بانبلاج فجر جديد، وكان ذلك من بشائر النصر، وأن المؤمن إذا ما وصل به الحال إلى اليأس من قوته وحوله، وظَنَّ أن الآفُق قد سُدَّ في وجهه، وأن الناس قد انفضوا عنه، وتركوه وحيداً يصارع أعداءه، في هذه الحالة بالذات يربط الله على قلبه، ويأتيه بالنصر المؤزَّر من عنده، ولذلك يجب على المؤمن أن يقوم بما عليه، والله لا يكلفه فوق طاقته، فإذا عجز أدركه الله بالنصر الذي يطمح إليه. *وقد* ذكر الله تعالى لنا في كتابه الكريم في سورة الأحزاب مشهداً حيّاً يُجسِّد ما سبق ذكره حيث قال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿9﴾ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ﴿10﴾ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴿11﴾ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ﴿12/ الأحزاب﴾ في هذا المشهد يصوِّر الله تعالى حراجة الموقف الذي كان فيه المؤمنون وصعوبته، والخوف الذي تملَّك الكثير منهم حتى بلغت قلوبهم الحناجر منه، ويصوِّر مشهد مرضى القلوب من المنافقين الذين أعلنوا حقيقة أمرهم بصراحة وفجور كما يحدث الآن مع المُثبِّطين والمتآمرين. ثم يعرض لنا المشهد المغاير مشهد المؤمنين الثابتين الذين لم يتزلزلوا ولم يولوا الأدبار، والذي زادهم الموقف الحرج إيماناً ويقينا بالنصر فيقول: “وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴿22/ الأحزاب﴾. *فماذا* كانت النتيجة؟ لقد ذكرها الله بقوله: “وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴿25﴾ وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴿26﴾ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴿27/ الأحزاب﴾. فهل نحن قادمون على مثل ذلك في الأيام القادمة؟. الجواب: نعم إن شاء الله تعالى. |