سما حسن ذاع خبرٌ أن هناك ثقبًا في جسد الفتى. وانتشر الخبر مثل انتشار النار في الهشيم، وصدَّق الجميع الأنباء التي حدَّدت مكان الثقب، بالتحديد. وطار الخبر؛ حتى وصل إلى امرأة في بيت صغير، فلم تصدِّق، حين سمعته، ونفت ذلك نفيًا قاطعًا، وهمست في نفسها إن البلدة قد أصبحت ملأى بالإشاعات، وإن الناس أصبح لديهم مِن وقت الفراغ الكثير؛ ما يجعلهم يختلقون الأكاذيب، واليوم يتناقلون خبرًا يخصُّها، ولا يمكن أن تصدِّقه؛ فلا ثقوب في جسد الفتى على الإطلاق. مهما ادَّعَوْا، وجاءوا بإثباتاتٍ وأدلَّةٍ على صدق أقوالهم وادِّعاءاتهم، حتى عندما نشروا صورة الفتى، وهو مغمَض العينين، ومكشوف الصدر، وأشاروا إلى مكان الثقب في جسده، لم تصدِّق، فقد قال لها بعضهم إن هناك خُدَعًا في التصوير، وفنًّا مستحدَثًا اسمُه «فوتوشوب». نعم، هي تذكر اسمه جيِّدًا، وقد أخبروها إن هذا الفن يحوِّل العجوز صبيَّة حسناء، ويضع الندوب ويزيلها. ولذلك مِن المؤكَّد، ولا تستبعد أبدًا أنهم قد استخدموا هذا الفن؛ لكي يبدو الفتى بثقبٍ في جسده. هي تعرف أصدقاءه الفتيان المشاغبين، فربما غافلوه، وهو نائمٌ في الحقل القريب، تحت ظلال الشجر؛ فالتقطوا له صورة، ثم أحدثوا هذا الثقب في جسده، ونشروا الخبر. هي تعرف هذا الفتى، حملته في رحمها شهورًا، وفاجأها المخاض به؛ ففرحت أيَّما فرح؛ لأنها انتظرته على أحرِّ من الجمر. وحين أصبح بين يديها، بعد وجع، وقبل أن يجفِّفوه من الدم والماء، تحسَّسَتْه جيِّدًا، بأصابعها المرتجفة، وتأكَّدت أنه لا ثقوب في جسده، بل كان جسده طريًّا بَضًّا، وكانت الحياة تنبض في كلِّ عِرْقٍ فيه، وكان يصرخ، مثلَ كلِّ المواليد، وهدأ، وسكن، حين وضعته بالقرب منها، وهمست له؛ فسكت، والتقم صدرها. وهكذا نشأت بينهما علاقةٌ جديدة، غير التي أمضاها في رحمها. وقد تعجَّلتْ أن يحصل على حمَّامه الأول، وفرحت به عاريًا، بين يديها، ولم يكن في جسده أيُّ ثقوب. نعم، وألفُ نعم، هي تؤكِّد لكم أن لا ثقب في جسد الفتى. حتى بلغ الثالثة عشْرة من عمره، وهو بلا ثقوبٍ في جسده، وحين ذهب إلى المدرسة كان بلا ثقوب، ولو كان هناك ثقبٌ في جسده لأَخبرها بذلك الفتيان الأشقياء. هؤلاء الرفاق الصغار الذين يَخرجون، كلَّ يوم، إلى حدود البلدة، فيجمِّعون الحجارة، وهي كلُّ ما يملكون من سلاح، ثـــــم يقذفونها بكلِّ ما يملكون من غضـــــب، وبكلِّ ما في نفوسهم من حبٍّ للأرض، نحو المغتصِبين الذين يحاولون أن يضمُّوا أراضيهم إلى مغتصَباتهم، ويجرفوا أشجارهــــــم، ويقتلعوا كلَّ ما يربطهم بالأرض، محاولين تزييف الحقيقة، أو إكمــــــال قصة ملفَّقــــــــة بأنهم أصحاب الأرض. ولذلك فهو يخرج مع الرِّفاق الصِّغار، ويواصل الحرب المقدَّسة، مع أهل بلدته الذين يحرسون الأرض، ويواجهون تغوُّلَ المغتصِبين عليها، وهي تعرف أن أهل البلدة لا يتردَّدون في تقديم أبنائهم، تباعًا، في معركة الدفاع عن الأرض. في هذه اللحظة، لو جاء الرِّفاق الصِّغار الأشقياء الذين يتسلَّقون الأشجار، ويتغذَّوْن على ثمـــــــارها، مثل الطيور، وأخبروها أن الفتى رفيقهم (علي أبو عليا) قد أصبح صاحب ثقبٍ في جسده؛ بسبب رصاصة حقدٍ أصابته، وهـــــــو يقوم بواجبه اليومي، مثل أهل البلدة، فقط في هذه اللحظة، سوف تصدِّقهــــم، فقط في هذه اللحظة، سوف تتخيَّل الثقب القبيح، وهو يسلب الروح من جسد فلذة كبدها، سوف تعرف أنه قد تألَّم كثيرًا، وفرح كثيرًا؛ لأنه قدَّم روحه، وحياته، في معركةٍ عادلة. وعليها، في هذه اللحظة بالذات، ألا تشعر بالحزن، ولا تستنكر، أو تكذِّب، أو تنفي. عندما يُخبرها الرفاق الصغار أن ثقــــبًا قد أصبح في جسد الفتى، مثلما حدث لكثُرٍ من قرابتــــه، وأبناء عمومتــــه، سوف تصـــدِّق، وسوف تنهض باتجاه خزانــــة ملابسه، وتثقب كلَّ قطعة فيهــــا، في الموضـــع نفسه الــــذي استقرَّ فيه الثقــــب القبيح، سوف تضعهــــا أمامها مثقــــوبةً، وتنظر نحو الأفق البعيــد، وتــــلوِّح له، طويلًا، وتبتسم. |