السيد نجم
هي حكاية متخيلة عن طفل رضيع تلقيه الأقدار على شاطئ جزيرة مهجورة، وخالية من البشر، ولكن كانت مسكونة بالطيور والحيوانات. تلتقطه غزالة وتتولى تربيته، فلما تموت فجأة يضطر للاعتماد على نفسه، وبذلك يحقق أعلى درجات المعرفة، بسبب ما فطره الله عليه من حب المعرفة. تلك الأسطورة عرف بها وتعامل معها كل من الفيلسوف «ابن سينا»، وأيضاً «ابن طفيل»، و«السهروردي»، وكل منهم عرضها برؤيته. يبدأ ابن سينا القصة من آخرها، حيث يلتقي «حي» خلال نزهة مع أصحابه بشيخ كبير هرم يلقي كليه بمعرفته، في عزوف منه عن سرد القصة وتناول رؤية فلسفية مع الترميز لمجمل الأفكار التي برزت في القصة الأصلية. أما السهروردي فهو يعطي لقصته عنواناً «الغريبة الغربية»، ثم كان الترميز الصوفي الغامض الفلسفي، التي قد لا يفهمها الا القارئ في التصوف. بتلك المقدمة نقترب من الكتاب، حيث تم تحقيقه بمعرفة الراحل «أحمد أمين» في منتصف القرن الماضي. وفي تناوله الأول كتب لحل بعض الألغاز الفكرية التي كتبت قبله، كما أشار الى وجود تلك الأسطورة في التراث الشعبي الإسباني. الا أن النص عند ابن سينا والسهروردي خليا تماماً من التشويق لصالح الفلسفة.. وأضافا رموزاً الى رموز العمل الأصلية، حيث تغلب الجانب الفكري والفلسفي على الجانب السردي أو الحكائي المشوق. وقد أشار البعض الى أن هذا العمل له تأثيره على السرد الروائي الحديث، بحيث تعمد بعض الكتاب استلهام الفكرة والكتابة حولها. كما استلهمته السينما الأميركية في فيلم طرزان، حيث كان البطل «طرزان» وحده في الغابة يواجه ويتحدى وتتوالد الأفكار والأحداث. بدت جهود ابن طفيل في الصياغة الخاصة به، والتي هي أقرب من السرد المعروف بالآتي: تعدد الأصوات الساردة للأحداث - أسلوب سرد حر وغير مباشر- وصف خارجي وداخلي أحياناً لبعض الشخصيات - محاولة رسم البعد العميق لبعض الشخصيات. تناول ابن طفيل فكرة خلق آدم، مستلهماً قصة شعبية عن أميرة حرمها أخوها الأمير وحاكم البلاد من الزواج بحجة أنه لا يوجد من يناسبها، وتزوجت من ورائه من الفارس القوي، فلما أنجبت وضعت وليدها في تابوت وألقت به في البحر. وصل الجزيرة المهجورة وتولته غزالة بعد أن افترس السبع وليدها منذ فترة قصيرة، فوجدت في الوليد بديلاً وألقمته ثديها وبدأت في رعايته.. ويسرد الكثير من طبائع الحياة وهو في كنفها ترعاه. ما إن تموت يبدأ في التصارع مع الواقع الحياتي وتتولد المعرفة، التي هي في الحقيقة تاريخ الاكتشافات والمعرفة البشرية مثل: اكتشاف النار - الأدوات المصنعة من الأحجار- السلاح بالأشكال المختلفة - السكن والملبس - وسائل المواصلات.. وغيرها. وقد وصل في المعرفة الى البحث فيما وراء الطبيعة من ظواهر تدل على وجود الله. وبعد ثلث الكتاب تقريبًا تظهر شخصية أخرى، آدمي آخر، بعد أن كانت كل الشخصيات من الحيوانات. وبدأت رحلة بحث جديدة، حيث التقيا بالفقيه، ويبدأ «حي» يعلمه اليقين العقلي، والفقيه يعلمه اللغة والشريعة.
|