إبراهيم المشهداني
أعلنت وزارة التخطيط في العشرين من شهر أيلول الفائت إن العراق سيباشر في الأيام المقبلة مفاوضات مع بريطانيا للحصول على قرض يزيد عن ثلاثة عشر مليار دولار أو ما يعادل 10 مليارات باوند فيما كشف وزير التخطيط عن ان هناك 4آلاف مشروع استثماري يمكن تنفيذها عبر الشراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي ولم يشر إلى أن هذه المشاريع معطلة منذ عدة سنوات بسبب عملية فساد كبرى شابت عملية تنفيذ هذه المشاريع ، ويؤخذ من هذا التصريح ومن غيره إن هناك اندفاعا حكوميا للاقتراض من المصادر الخارجية سواء من المؤسسات المالية الدولية أو دول أجنبية . والسؤال الملح في إطار هذا الاندفاع هل إن مثل هذه التوجهات إلى الاقتراض الأجنبي يندرج ضمن استراتيجية اقتصادية تأخذ في الاعتبار كيفية تسديد هذه القروض وما إذا كانت شروط القرض البريطاني ميسرة بفائدة بسيطة. وان المعلومات الأولية تشير إلى ان فائدة القرض البريطاني لن تقل عن 6في المائة دعك عن فترة السماح وآجال التسديد والضمانات وأية شروط أخرى سيفرضها الطرف المقرض . إن اللجوء إلى الاقتراض الخارجي تفرض على الباحث الاقتصادي ان يأخذ بالاعتبار التجربة التاريخية للاقتراض الأجنبي بسلبياتها وايجابياتها فهذه التجربة عند مختلف الباحثين كانت تجربة فيها من الخيبات والسلبيات على اقتصاديات البلدان النامية ما يدعو إلى التأمل طويلا قبل الإقدام عليها ، فبدلا من تطوير اقتصادياتها ، أنتجت العكس: إفقار شعوبها وتبعية اقتصادياتها، لا بل كانت أداة ضاغطة على الحكومات لاتخاذ مواقف سياسية تتعارض مع مواقفها الخاصة فأصبحت الدول النامية أرضا خصبة لاستثمارات الدول الدائنة لا من خلال سوء توظيف القروض فقط بل عبر انتعاش الفساد في هذه القروض ، وإعادة تهريبها بصورة مباشرة او غير مباشرة إلى الخارج وفرض شروط أخرى أكثر قساوة ومن أمثلتها اشتراط البنك الدولي عندما طلب الأردن قرضا لبناء سد على نهر الأردن ، موافقة إسرائيل على بناء هذا السد ومثال مصر عندما شرعت في بناء السد العالي . فضلا عن شروط الخصخصة وإلزام الدول بتحرير تجارتها دون ان تكون مهيأة لهذا الأمر وغيرها الكثير ولم يفلت من فخاخ القروض الخارجية الا بعض البلدان مثل ماليزيا وسنغافورة اللتين استطاعتا توظيف القروض الخارجية في عمليات التنمية الاقتصادية والبشرية وتحقيق تطور ملموس في اقتصادياتها . والأمر الآخر إن هذا القرض يسهم في تضخيم الديون الخارجية المترتبة على العراق التي تصل حسب بعض المصادر إلى 87 مليار دولار، وهي تتحول في ظل استمرار الأزمة المالية في العراق إلى عبء كبير على الموازنات العراقية التي سيصاحبها عجز كبير في السنوات القادمة في ظل انخفاض أسعار النفط وضآلة الموارد المالية الداخلية ولا يتوهمن احد ان تتكرر عملية تخفيض ديون نادي باريس بنسبة 80في المائة، التي بذلت فيها جهود كبيرة كان لأمريكا دور كبير من خلال الضغط على حلفائها ، لاختلاف الظروف واختلاف الإطراف الدائنة . من هنا ونتيجة للإضرار الكبيرة المترتبة على الديون الخارجية ومنها القرض البريطاني المتوقع رغم تجميله من قبل وزير التخطيط عند وصفه باعتباره شراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص المحلي و الأجنبي ، وشتان بين القروض وخدماتها والشراكة في المشاريع الاقتصادية . ان الحكومة العراقية مطالبة بمراجعة سياستها الاقتصادية التي ينبغي ان تبنى على أساس تعبئة كافة الموارد الاقتصادية والبشرية لتنفيذ استراتيجية تنموية وخلق مصادر تمويل داخلية وإعادة النظر في السياستين المالية والنقدية وتحسين إدارة الدين العام والكف عن اللجوء إلى الاقتراض الخارجي والتأكيد على التعاون المشترك والمتكافئ مع دول الجوار ودول الإقليم ودول العالم على أساس المصالح المشتركة سبيلا لإنعاش الاقتصاد العراقي.
|