لايختلف اثنان على ان الفساد يضرب اطنابه وينخر جسد المؤسسات الرسمية العراقية بل امتد ليشمل حتى القطاع الخاص الذي انتقلت اليه العدوى من القطاع العام، والذي يعتمد كثيرا في تعاملاته وتمويلاته في احالة المشاريع والمناقصات وابرام العقود، بتقديم عمولات ورشاوى الى الموظفين، مع العلم ان العديد منهم لديه ايدي واذرع مافيوية عالمية مع شركات اجنبية مشبوهة تعطي عمولات للاستحواذ على المناقصات ذات المشاريع العملاقة التي قد تصل الى مليارات الدولارات، ويمكن ملاحظة منافذ الفساد بسهولة واهمها لجان المشتريات فما ان يتبوأ المسؤول منصبا حكوميا حتى يبادر بتغيير موظفي العقود ولجان المشتريات ولجان التعيينات لانها الدجاجة التي تبيض ذهبا والتي يمكن من خلالها تحقيق ثروات طائلة من المال العام.
في عام 2007 كنت عضو ارتباط اثناء معايشة الخبراء الاجانب واغلبهم تابعون الى الامم المتحدة وينصب عملهم على تطوير كفاءة واداء المؤسسات العراقية وكان تركيزهم على وضع هيكل تنظيمي رشيق يتناسب ومهام وواجبات كل مؤسسة حسب القوانين والتعليمات النافذة لها، ووضع آليات وبرامج ومواصفات معينة لشغل الوظائف الحكومية والكشف على منافذ الفساد من اجل تحجيمها والقضاء عليها، وتوصل هؤلاء الخبراء الى نتيجة مفادها ان اغلب عمليات الفساد المالي تأتي عن طريق لجان المشتريات في الوزارات والمؤسسات والدوائر العراقية، وهو امر تم تشخيصه سابقا من قبل مكاتب المفتشين العموميين وديوان الرقابة المالية، لكن لم يتم اتخاذ اجراءات عملية او وضع بدائل او تعليمات او الالتزام بتوصيات تحد من استمرار هدر المال العام الذي بقي مفتوحا للنهب من ضعاف النفوس بحماية وتواطؤ بعض المتنفذين والمسؤولين.
وقد تناقلت وسائل الاعلام ومصادر حكومية مؤخرا عن قرب وصول وفد من الخبراء الاجانب المختصين بالفساد، ولا اعتقد ان هؤلاء سيقدمون شيئا جديدا، وسيخرجون في النهاية بالاستنتاجات والتشخيصات نفسها التي خرج اليها من سبقوهم، لكن هناك آليات واقعية ستحد بنسب كبيرة من عمليات الفساد وهدر المال العام ومن ضمنها وضع شروط لاعضاء لجان المشتريات من ضمنها ان تكون لديه خدمة لاتقل عن خمس سنوات، وان تكون درجته الوظيفية السادسة فما دون، وان يكون هناك اعضاء دائمون من مكتب المفتش العام وديوان الرقابة المالية يغيرون باستمرار ضمن لجان المشتريات، فضلا عن امكانية التعامل مع منافذ ومراكز تسويقية حكومية يمكن فتحها مستقبلا مثل الاسواق المركزية التابعة لوزارة التجارة، والتي ستحد بشكل كبير من التلاعب بالوصولات بوضع اثمان غير حقيقية مبالغ في اقيامها او التلاعب بمواصفات البضائع والمنتجات عكس ما يتم توريده على ارض الواقع.
الجهات الرقابية المكلفة بمكافحة الفساد في العراق تواجه خبراء ومتمرسون في الفساد مرتبطون بمافيات سياسية ودينية لها حظوة ونفوذ محلي ودولي، وهم بحاجة الى ادوات واجراءات غير عادية اولها ازالة الخطوط الحمر عن الشخصيات المرتبطة بالفساد، ورفع الحصانة القانونية والحزبية والدينية والعشائرية عن المتورطين بسرقة المال العام وتعزيز دور القضاء ودعمه ليكون الاداة الرادعة والفعالة في هذه المهمة.