محمد شنيشل الربيعي
ما نستشفه من قراءات النظريات والمناهج والمدارس وحتى المقالات النقدية المعاصرة ، ما نستشفه أن هنالك إشارات ترمي بدوالها الى أن النص الأدبي المعاصر نوع من الممارسات والسياقات العقلية ، يُكتب(النص) ويُمارس على مستوى فكرىٍّ عالٍ لما يتضح في دقائقه من هطول معرفي ومحطات ومرافىء طافية للعيان ، فهو بالتالي يقف على أرضية من المشتركات وللوقوف على هذا الأمر ينبغي التعرف على تلك الحمولات الفكرية المرتبطة بعوالم من السياسة والإقتصاد وعلم الإجتماع والفلسفة ... فالمصطلح السياسي والإقتصادي وغيره لم يعد (خُنثي) يحمل صفاتا مشتركة مقصورة على دراسة ذاته لذاته وانعزاله في توليد مقاصده ، وإنما إنسحب على قراءة النصوص الأدبية فبدلا من كونه منظم للحياة اليومية أصبح منظما للحياة الفكرية ، فهو بالنتيجة محط إهتمام المتصدي الذي يرى النص غير مرتبط بمشيمة واحدة أو حضارة واحدة ، وإنما هو متنوع الغذاء والمصادر والمثاقفة ، وبالتالي يجد نفسه على عجلة من أمره وهو يبحث في طريقة إستكناه العمل النصي ، لأنه في زمن ملتهب الأفكار والتجديد ، أما المدارس والمناهج النقدية المتقادمة فهي لا ترى النص إلا من زاوية الجمالية والصورة والعاطفة والبلاغة واللغة وعلم النفس ... الأمر الذي يقودنا الى طرح مقارنة بين حضارتين نصيّتين ، واقعية معاصرة منفلتة الحمولات (عقلية تمارس رؤيتها للنص فكريا) وواقعية تقليدية ما زالت تنظر الى النص بطريقة تكنكة لغوية (صور وعاطفة وجماليات وبلاغة...) وقد يطغى النص العاطفي أو الدرامي على موضوعة النص ، فيحيله الى كتلة لا تستكنى ضربها إلا من باب واحد ، أن العاطفة والصورة والجمالية... في النص الأدبي ومنه الشعري قد استوفت وجودها وتغلغلت الى أدق التفاصيل الشعرية عبر زمن يقدر بمئات السنين وكذلك الجمالية من حيث التوظيف اللغوي والصورة ، وحتى مفاهيم علم النفس التي نظمت القراءات النصية على مدى قرون لم تعد تسبر غور القارىء(غير تلك التي تتعلق التفكير والعقل) ، فلم تعد الكشتالت والتحليل النفسي ويونج ونظريات الشخصية...ذات قيمة مؤثرة في القراءة (عدا المتجدد منها) لأنها تقترب جدا من نزوع العاطفة ، فما الذي يريد أن يقوله الشاعر عن عمق العاطفة الإنسانية الآن ، أو يصف لنا قصة حب مثيرة ، أو فراق حبيبين ، أو تعبير عما يجول في النفس ، أي ما هو الـمناخ الإبـداعي المطـروح لكي تـبقى عوامل الجديد تتفاعل وتتلألأ في عالم النصية ؟ قد تكون الإجابة واضحة إذا ما أخذنا بعين التدبر مقتضى حال النص والذي تشترك فيه عوامل حضارية عدّة تؤثر في نظام الإسلوبية والتعبيرية ورؤية الإستعارة والتعامل مع اللغة... فالمشكلة حصرا هي مشكلة (فكرية ــ تحليلية) ونعتقد كما أوردنا يوما في مقال لنا قلنا فيه بالمعنى (أن النص أشبه بعملية الهضم للطعام تبدأ بالفم وتنتهي بالإمتصاص ، أي أن الإمتصاص جزء من عملية الهضم ، فالنص هو الطعام ، والإمتصاص هو الفكر.) الإنسان هو الهدف الأسمى مرتبة في هذا الكون في حصد الإبداعية الفكرية ، ليتحول النص الى ركن هام من أركان التنمية البشرية ، وهذا أهم حدث تاريخي ينبغي أن يلتفت اليه الكاتب والمقارب ، لان التوسعة العقلية تتطور وفق منهج الواقع وهو واقع بناء حضارة الفكر وصراع الإيديولوجيا فيه ، فلا نعتقد أن هنالك مكان للإسراف العاطفي ، هذا النوع من الكتابة لم يستوف الفكر ولو بعد مئات السنين كما حصل الإستكناه في التعبير عن العاطفة لذا ينبغي على الشعراء وكتاب القصة والرواية البحث في عملية (أبتداع الخلق من الفكر) المعمول في مختبرات ومراكز الفكر المتحول ، فوجدنا : 1 ــ فك الإرتباط بين العاطفة والفكر ، والنظر الى أرضية الإختلاف بينهما ، وكيف أن كل واحد منهما يمثل مجتمعا لغويا واسلوبيا وتعبيريا . 2 ــ علاقة الفكر بالتفكير في منجزات هذا الكون الذي لا يُفهم إلا عن طريق العقل ، وما قيمة العقل بالنسبة للإنسان . 3 ــ دراسة الفلسفة تؤدي الى تقييم فكر الشاعر ، وعرضه لمقتنيات الفكر بات من المسلمات التي تُنضّج أعماله الشعرية . 4 ــ ينبغي التحول من فكرة أدبيات التقادمية الى فكرة العصرية والبحث المستمر عن مزايا ترافق مفاهيم النص المعاصر . 5 ــ من الأهمية بمكان أن نتقبل كل الآراء التي تتلاقح أو تتثاقف مع إكتشاف أو إشتقاق مصطلحات أو مفاهيم تلائم النص المعاصر . 6 ــ البحث في النصوص الصوفية علامات حقيقية نستطيع بها أن نرتقي بالنص المعاصر . 7 ــ مثلما تمت إستعارة أو تشبيه شخصيات تاريخية ، لا بأس من توظيف الإستعارة بشخصياتها الجديدة . 8 ــ ينبغي الفصل بين المصطلحات النقدية المعاصرة وعدم الخلط بينها في تقييم أو مقاربة النص ، فليس من المنطق أن تكون قراءة النص الواحد تحتوي على أكثر من مصطلح نقدي ، علما أن النص الواحد قد يضوع بجزيئة أو فرعٍ من المصطلح . 9 ــ بيان النزوع الفكري في النص ، بمعنى كم كان إتصال النص مع الفكر وماذا أراد الشاعر أي يطرح من سياق ومن تنازع الفكر مع العاطفة . 10ــ إحترام النصوص المكتوبة كلها ، فالإحترام يعكس السلوك الإنساني للأديب والتواضع سمته ، ويعكس مدى سعة فكره في أن يتقبل الآخر ، والتأدب من كلمة الأدب ينبغي أن ترافق المتصدي ، فالنص الذي لا تراه مناسبا بالنسبة لك ، هو مناسب جدا لكاتبه ، وكم من نصوص لم تعجبنا لكتّاب كبار ، والأمر كذلك مع الأفكار التي تُطرح كرؤى جديدة ومناقشتها وفق أسس علمية. ملاحظة : لا بأس من ذكر نقاط أخرى تسهم في إثراء البحث . |