عواد علي
تُعرّف معاجم اللغة العربية “الخرافة” بأنها “الحديث المستملح من الكذب”، وهي اعتقاد خارق للطبيعة يشير إلى شيء مستحيل، وإن آمن بعض الناس بصحته وجواز حدوثه. ولدى جميع الشعوب موروثات خرافية، سواء أكانت منظومة معتقدات أم حكايات، ترتبط درجة التصديق أو الإيمان بها بما وصلت إليه المجتمعات من تعليم وتقدّم علمي وسيادة للتفكير العقلاني وتهميش للمعتقدات الدينية. وقد استقطبت هذه الموروثات، ولا تزال تستقطب اهتمام الكثير من الأدباء والفنانين في العالم، كونها مرجعيات تعبّر عن مخيلة جمعية ووعي شعبي وثقافة متوارثة بين طبقات وفئات اجتماعية، وطوائف ومذاهب مختلفة، فنجدها حاضرة في النصوص الأسطورية والملحمية الرافدينية والآسيوية والأفريقية والإغريقية القديمة، والمسرحيات التراجيدية والكوميدية لأسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس وأريستوفانيس وميناندر وسينيكا، وفي الشعر العربي السابق للإسلام، وآداب وفنون القرون الوسطى، وأعمال شكسبير ومعاصريه ومن تلاهم إلى اليوم في الشرق والغرب والجنوب. قبل سيادة عصر العقل، كان معظم ما تضمنته الأشكال الأدبية والفنية من موروثات خرافية يشير إلى امتثال منتجيها، الأدباء والفنانين، إلى التفكير الخرافي، أو التماهي معه، بوصفهم جزءا من مجتمعات وبيئات سائرة في هذا الطريق. لكن الأمر اختلف في العصور الحديثة، فبات الأدباء والفنانون يستثمرون الموروثات الخرافية من باب الكشف عن وعي الشرائح والفئات الاجتماعية المسكونة بها والخاضعة لسطوتها، وأحيانا بهدف الاستخفاف بها أو الإشارة إلى تخلف المجتمع الذي ما برح يعتقد بها، ما يعزز المنحى الواقعي في إنتاجاتهم، رغم أننا لا نعدم وجود أدباء وفنانين عرب ومسلمين يؤمنون ببعض تلك الموروثات، خاصة ما يرتبط منها بالمعتقدات الدينية، بسبب نشأتهم الاجتماعية والثقافية، وعدم احتكامهم إلى العقل والمنطق. لعبت الأعمال المترجمة لكتّاب الواقعية السحرية، خاصة في أميركا اللاتينية، دورا كبيرا في نزوع بعض الروائيين والقاصين العرب إلى استثمار الموروثات الخرافية، التي تعجّ بها مجتمعاتهم، في أعمالهم السردية، رغم أن واحدة من أهم ذخائرنا متخمة بالحكايات الخرافية، أعني بها ألف ليلة وليلة. ولعل ماركيز كان له التأثير الأكبر في هذا المجال، فقد شكّل في معظم رواياته أنموذجا لتوظيف الحكايات والرؤى والتصورات الخرافية الشائعة في البيئة الشعبية والقروية الكولومبية، بنبرة حيادية موضوعية، وسرد عجيب تختلط فيه الأوهام والحقائق دون افتعال وتصنّع، جاعلا القارئ يصدّق الأحداث الغريبة والظواهر الخارقة وكأنها أمر مألوف. من نماذج السرد العربي، التي استثمرت الموروثات الخرافية والأسطورية في عوالمها، على سبيل التمثيل لا الحصر: قصة “سر الماء” لعبدالرحمن مجيد الربيعي، المكتوبة في الستينات، رواية “فساد الأمكنة” لصبري موسى”، “المسرات والأوجاع” لفؤاد التكرلي”، “شجرة الفهود” لسميحة خريس، روايتا “المجوس” و”نزيف الحجر” لإبراهيم الكوني، روايتا “حورية الماء وبناتها” و”كهوف هايدرا هودا هوس” لسليم بركات، روايتا “مولد غراب” و”شبيه الخنزير” لوارد بدر السالم، رواية “عراقيون أجناب” لفيصل عبدالحسن، “مهر الصياح” لأمير تاج السر، “مستعمرة المياه” لجاسم عاصي، روايتا “حارسة الضلال” و”فاجعة الليلة السابعة بعد الألف” لواسيني الأعرج، “الحوات والقصر” للطاهر وطّار، “الفراشات والغيلان” لعز الدين جلاوجي، و”حماقة ماركيز” لعواد علي. وقد جاء التمثيل السردي للمرجعيات الخرافية في هذه النماذج بدرجات متفاوتة، فشكّل بعضها محورا أساسيا في بنية الأحداث، وورد بعضها الآخر في سياق ثانوي كشف عن ثقافة أو مستوى وعي شخصيات محددة في الروايات، وأثر ذلك في رؤيتها إلى العالم وسلوكها وعلاقاتها بالآخرين. |