د. نسرين اللحام

تعتبر جنوب أفريقيا من أبرز الدول المتقدمة في القارة الأفريقية، حيث استطاعت الانضمام إلي فئة الشريحة الأعلي من الدول متوسطة الدخل، كما نجحت في تعميق علاقاتها التجارية مع دول العالم، والانضمام إلي العديد من المنظمات الدولية، ومنها مجموعة دول البريكس، ذات الاقتصادات الصاعدة، والتي انضمت إليها في ديسمبر 2010، فقد أرتفع معدل النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي من 2.4 % في عام 1999، ليصل إلي 5.1% عام 2007، كما حدث انتعاش كبير في قطاع التجارة الخارجية، الذي أصبح يسهم بنحو 54% من الدخل القومي، وتسهم جنوب أفريقيا بنحو 30% من إجمالي المنتجات الصناعية في القارة الأفريقية، كما تحتل المرتبة الأولي في الإنتاج العالمي من الذهب.

ويمثل التحول الديمقراطي لجنوب أفريقيا أحد أبرز ملامح تجربتها التنموية حيث نجحت في التحول من نظام حكم عنصري، لتصبح واحدة من أكثر الديمقراطيات استقرارا في القارة الإفريقية، على الرغم من التنوع العرفي لسكانها، وبعد ثلاثين عاما من الصراع المسلح “1960 ـ 1990” .

هل كان دور الدولة هناك هو الرائد في النهضة الاقتصادية التى عرفتها البلاد؟

 الثابت أنه مع انتهاء مرحلة التمييز العنصري، وتنظيم انتخابات متعددة الأعراق، ركزت السياسات التنموية لجنوب أفريقيا على النقاش حول سيطرة الدولة، أو تبني نظام السوق، ولغيرها من الدول النامية ارتأت جنوب إفريقيا أن استبدال الصناعات التقليدية بقطاعات حديثة سيتكون التوجه الأمثل للتنمية الاقتصادية، تماشيا مع العولمة والتوجهات العالمية الجديدة.

وكنتيجة لذلك حدت حكومة جنوب أفريقيا من تدخلها في الاقتصاد كي لا تعيق حرية السوق تماشيا مع التوجه الليبرالي الجديد في السياسات الاقتصادية.

بني اقتصاد جنوب أفريقيا على النظم الغربية وتسهم الدولة في امتلاك بعض الشركات الضخمة، أو نسب مئوية من رؤوس الأموال عن طريق القطاع العام. وقد ساعدت عدة عوامل على نمو اقتصاد جنوب أفريقيا بصورة كبيرة في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، كما كان اقدام الحكومة على تشجيع الاستثمارات الداخلية وتوفير القروض للتنمية الصناعية، بالإضافة إلي تشجيع الاستثمارات الخارجية، ومن العوامل التى ساعدت على النمو الاقتصادي أيضا كون البلاد غنية بالثروات الطبيعية ووجود أيد عاملة إفريقية رخيصة.

 وقد كانت الديمقراطية عاملا حاسما في جذب الاستثمارات الأجنبية، وبناء الثقة وخلق بيئة مواتية للنمو، في جنوب إفريقيا، فبعد تفاوض دام أربعة سنوات “1990 ـ 1194” بين الأقلية البيضاء البالغ تعدادها 5 ملايين نسمة والأغلبية السمراء التي تصل إلي 29 مليونا، تم التوصل إلي توافق مجتمعي كان من نتائجه توفير المناخ السياسي الموائم لتربة اقتصادية نهضوية سليمة. وفي عام 1994 أصبحت جنوب إفريقيا، عضوا في أكثر من 20 منظمة عالمية، وفي سبيل صياغة رؤية مستقبلية لجنوب إفريقيا تحت عنوان “سيناريوهات جنوب أفريقيا 2025 المستقبل الذي تختاره رسمت جنوب أفريقيا سيناريوهات ثلاث ينبغي على جنوب أفريقيا أن تسلكها، ما يدلل على أن النجاح ليس عملية عشوائية، أنما رسم لتخطيط وبرامج، والتزام بآليات تنفيذ، وجداول مواعيد، ونهضة أمة، حكومة وشعب وراءها لتحقيقها.