نعيش في عالم سريع الإيقاع، يبدو معه التوتر وكأنه جزء لا يمكن الاستغناء عنه في يومياتنا، فلا وقت لدينا يكفي لتناول الطعام، لأخذ قسط من الراحة، للجلوس مع أفراد الأسرة أو حتى للتمتع بقضاء وقت الفراغ في التحديق مطولاً إلى جدار أصم.
لدينا ما يكفي من الأشياء التي ننجزها على عجل في حياتنا؛ أعمال ومسؤوليات متراكمة، وسائط نقل سريعة، تقنية مذهلة وأفكار كثيرة متشابكة متغيرة ومتحركة لا تسمح لنا بالتقاط أنفاسنا، وإذا سمحت بذلك فإنها ستعدها علينا بالتأكيد. التوتر يمكن أن يتحول إلى إجهاد نفسي وجسدي قد ينحرف إلى منطقة الخطر، وقبل أن يصل إلى هذا الطريق المسدود فإنه ينذر صاحبه بمجموعة من العلامات الجسدية والنفسية.
يعبّر التوتر عن نفسه بمظاهر جسدية معينة، حيث تتكرر نزلات البرد والإصابة بالعدوى من الأمراض الموسمية وتتعطل أنماط النوم والاستيقاظ المبكر مع ساعات نوم قليلة، فيلاحقنا الأرق والقلق والخوف المبهم من الغد، ينخفض مستوى شهيتنا أو نفرط في تناول الطعام، صداع متكرر غير مسبب، آلام مبرحة في العضلات وغيرها الكثير من الأعراض غير المسببة. يحدث كل هذا بسبب هشاشة جهاز المناعة الذي يعلل فسلجياً بتأثره بهورمونات التوتر، بما فيها الكورتيزول، حيث تتزاحم في مجرى الدم في حالات التوتر العالية، وهذا كفيل بإضعاف جهاز المناعة وربما تلفه. أما بعض الدراسات المعتمة، فتشير إلى أن هشاشة جهاز مناعة الجسد قد تؤدي في آخر الأمر إلى الإصابة بمرض السرطان!
لكن التوتر النفسي هو الأكثر وضوحاً في تأثيره السلبي على طبيعة مشاعرنا وردود أفعالنا وسلوكنا، ومن أهم مظاهره الغضب السريع بسبب أشياء تافهة، مع القدرة على مزج خليط غير متجانس من المشاعر مع بعضها في وقت واحد وعلى أكثر من مستوى انفعالي؛ فقد نبكي ونصرخ من دون أسباب واضحة يتبعها شعور جارف بالندم خاصة إذا كانت هذه المشاعر السلبية مسلطة على أشخاص مهمين في حياتنا، ويتسبب تكرار الأمر في خسارة من نخشى خسارتهم ما يعزز شعورنا بالعجز وينصب الغضب هذه المرة على ذواتنا فنشبعها لوماً وتأنيباً، مع ما يرافق هذا من فقدان الثقة بالنفس وانخفاض مستوى احترام الذات.
بالتأكيد، لا يمكننا تغيير مصادر التوتر في حياتنا بحسب متخصصين؛ لكننا نستطيع أن نغير نظرتنا إليها وطريقة تعاملنا معها، أي أن نعالج منظورنا للأشياء. الكثير من عيادات الأطباء مليئة بمرضى يعانون من أعراض جسدية وخاصة ارتفاع ضغط الدم، بسبب الإجهاد وتحمل أعباء مسؤوليات والتزامات يومية عدة، تضطرهم إلى تسريع إيقاع حياتهم لإنجاز ما يتراكم من هذه الأعباء في محاولة يائسة لرفع سقف توقعاتهم، بصرف النظر عن الوقت المتاح والقابلية البدنية والاستعداد النفسي والضغط الذي يتعرض له الجهاز العصبي.