وصلت بنا الوحدة، رغم كل هذا الزحام، لمرحلة قاسية جدا، هي أن نتحدث مع معارفنا وأقاربنا وأصدقائنا، من خلال الوسائط الإلكترونية الحديثة، وساعدنا في ذلك الكسل والملل، حتى المناسبات السعيد والحزينة، أصبحنا نتبادل وقائعها عبر الهواتف، فهذه دقائق مسجلة لزفاف نجل أحد الأقارب، وهذه حفلة مولود جديد في أسرة صديق، وتلك جنازة جار قديم.
كلنا أشخاص طيبون للغاية، وكنا نتمنى أن نتشارك كل لحظات حياتنا، لكن لا نعرف لماذا فعلنا هذا بأنفسنا، حتى بعد أن صار أغلبنا يمتلك سيارات، ويعيش في أماكن واسعة جدا بالمقارنة بحياة آبائنا البسطاء، الذين كانت تتسع بيوتهم الضيقة للأقارب والجيران، في جميع المناسبات، وكانوا يتكبدون عناء السفر ، لتقديم واجب التهاني أوالعزاء، في قرى بعيدة، فكانت مناسباتهم لها طعم جميل، وكنا نشعر بدفء وود حتى مع غير الأقارب، فكل رجال العائلة كانوا أعماما لنا، وكل نسوتها خالاتنا،وجميع الأطفال أخوتنا.
نشأ جيلي وجيلان من بعدى تقريبا، على هذه العادات الجميلة، ثم أكلت ما يسمونها خطأ شبكة التواصل الاجتماعي حياتنا الجميلة، فأي تواصل إجتماعي هذا الذي يسمونه، إذا كنا لا نستطيع أن نتواصل بالفعل سوى مع صورنا، ومقاطع مسجلة من لحظاتنا الجميلة، التي كنا أحوج الناس فيها إلى إلتفاف أهلنا وأصدقائنا حولنا.
أعتقد أننا لسنا مضطرين لاستكمال حياتنا بهذه الطريقة البغيضة، ففي الغرب قد فطنوا لمخاطر وسائل الاتصال الحديثة تلك على روابط الأسرة والصداقة، وإتخذوا مواقف حاسمة تجاهها، كغلق الهواتف بعد ساعات محددة في البيوت، أو عدم إستخدامها في النزهات واجتماعات الأصدقاء،
والأهم من ذلك هو منع الأطفال الصغار من استخدامها تماما حفاظا على صحتهم، ومنعا لاعتيادهم عليها فى سن مبكرة.
أما ما يحدث لدينا فيحتاج تصرفا حاسما، فقد أصبح كل فرد في الأسرة الواحدة، لو لم تكن له غرفة يغلق بابه عليها، ويعيش كل وقته في التواصل المزيف عبر تليفونه المحمول، ستجده يجلس مع أسرته منصبا برأسه وكامل اهتمامه على شاشة تليفونه، وقد تجد خمسة أو ستة أفراد يجلسون معا في حالة صمت تام، دون أن يخرج واحدا منهم بكلمة تجرح اجتماعهم الصامت، أوقد تجدهم يرسلون لبعضهم صورا أو مقاطع مصورة أو حتى بعض كلمات وأخبار، بلا أي نقاش حقيقي يجمعهم.
كأن كل واحد منا يقول للأخر فقط تخيل أنك معي، لكن لا تكن معي بالفعل
فأنا لا أحتاجك، بينما إذا أصاب هاتفه، أي عطل، توقفت الدنيا حوله، وشعر فعلا بالوحدة..