ليس «داعش» الذي يحتل الفلوجة كيانا منسلخا عن جسد اكبر يغذيه ويعمل على ادامة وجوده الى اطول فترة ممكنة من اجل استغلاله لاصابة العراق واهله باكبر قدر من الأذى. وكل من يعتقد بعزلة «داعش الفلوجة» عن بقية الدواعش في العالم، هو اما قاصر في ادراكه او متقصد للغفلة والتغطية على شيء اكبر يعيش في تفكيره.
فمع انطلاق عمليات تحرير الفلوجة من قبل القوات العراقية والحشد الشعبي، كانت هنالك عمليات موازية للعصابات التي تحتل المدينة. فشرعت تلك العصابات بالتفخيخ والتلغيم والقنص والتدرع بالبشر الابرياء. والى جانب كل مرحلة من مراحل التحرير العراقية كانت هنالك مرحلة من مراحل النذالة الداعشية والتفنن الارهابي بأساليب القتل. وكما هو متوقع بدأت «داعش» مرحلتها الثانية من الصراع مع العراق وشعبه وجيشه، واستخدمت فيها منطقة صراع أخرى هي الفلوجة الثانية المتمثلة في (موقع تويتر للتواصل الاجتماعي). فهذا الموقع الخاص بالتواصل قد امسى موقعا للتقاطع الديني والفكري والاجتماعي، وتحول الى رهينة مختطفة من قبل الإرهابيين والتكفيريين الذين يستخدمونه لشن غزواتهم والتحريض ضد العراق.
واستطاع العراقيون التصدي لهذا الهجوم الداعشي الالكتروني، وتمكنوا من اجتياح الفلوجة الثانية من كل محاورها، وسدوا على مقاتلي الكيبورد الظلاميين كل منافذ النعيق والنباح والعواء التي تسمى عبثا منافذ التغريد. وبعد كل هذا وذاك، ابتدأت وكما هو متوقع معركة أخرى تجري تفاصيلها في فلوجة ثالثة وهي (الإعلام الخليجي). فهذا الإعلام مسروق هو الآخر ومسيطر عليه ومغلوب على أمره، من قبل دهاقنة الفكر والمال، ومن المؤمنين بفتاوى القرضاوي والعريفي ومن سار في ركبهم. فتراه رغم ما يمتلك من اقلام رشيقة وقدرات إعلامية مهمة، ينحدر ليصل الى حضيض التلفيق والكذب معلنا ابتداء مرحلة «داعش» الثالثة. وهذه المرحلة ابتدأت مع دخول المعركة في العراق يومها العاشر.
ومن المشاركين في هذه المرحلة جريدة (عكاظ السعودية) التي اوردت في نسختها ليوم أمس عنوانا رئيسا لخبر حشرت فيه اسم الحشد الشعبي باعتباره جهة تقوم بالاستفزاز في منطقة القتال رغم ان مضمون الخبر لا يذكر اي شيء عن الحشد، وتساندها في ذلك جريدة القدس العربي بنسختها لنفس اليوم والتي كررت خبرا بعنوانين مختلفين يروجان لنصر وهمي للدواعش جنوب الفلوجة، ويعرض كل خبر منهما صورة فوتوغرافية مختلفة. الاول يضع صورة لموقع عسكري وهو يشتعل بالنيران، والثاني تتصدره لقطة لمجموعة من الاشخاص ينتظرون في طابور طويل للحصول على الطعام باعتبار ان هؤلاء هم اهالي الفلوجة او النازحين منها.
وجريدة الوطن لعبت هي الأخرى دورها في هذه المرحلة، لكن من محور آخر هو محور الحالة الانسانية. فتباكت بدموع اصطناعية على الوضع الانساني في المدينة مستعينة بتصريحات لمسؤولة في الامم المتحدة لم نسمع عنها قبل هذا اليوم.
هذه الهجمة الداعشية الإعلامية بحاجة الى هجمة مضادة من الإعلاميين العراقيين والاصدقاء في المؤسسات الإعلامية الدولية لتكون معركتنا مكتملة ويصبح نصرنا قويا وسريعا وفعالا قبل ان تكتب اقلام الزيف الخليجية اكثر حول انتصارات «داعش» المزعومة، وقبل ان تتعالى اصوات النحيب المخادع على الوضع الانساني لتصل الى مستوى الصياح، وقبل ان يدس اعلاميو الفتن صورا أخرى لا تمت لواقع الأمر بصلة، وتثير رأيا عاما دوليا لا يعرف شيئا عن الوضع على الارض، فتطالبنا منظمات وقوى دولية صديقة او غير صديقة بالتوقف عن تحرير ارضنا!.