أشرف محمد قاسم
يعتبر سامي أبوبدر من الأصوات الشعرية القادمة بقوة ، ليكون صوتا شعريا مُعبرًا عن جيله بآماله وأحلامه المهيضة في هذا الواقع الكابوسي المضطرب . تحضر الذات في ديوان سامي أبوبدر الأول ( ساعة من ليل ) بكل ما يكتنفها من مشاعر القلق والفقد وعدم الشعور بالأمان نتيجة واقع ضاغط أصاب جيله كله بخذلان . يزاوج في ديوانه بين الشكلين العمودي والتفعيلي مزاوجة تكاد تقترب من التوحد ، إذ يأتي نصه العمودي نصا حداثيا وجماليا في لغته وتشكيله الفني ، مبتعدا عن الجمود ، نابضا بالحياة . يحرص أيضا في تشكيل صوره الشعرية أن تكون مبتكرة ، وشاسعة كأفق مفتوح على مصراعيه مما يعطي النص سعة ورحابة ، ودلالات متعددة : أكذوبة تلك الحكايات التي كنا نسافر في معانيها لتبهرني وتوهمني بأنك رهن أحلام تسلقها الفؤاد اليوم يسقط عن قساوتك القناع ! . ص 12 هذا التصوير المشهدي للنص وتلك الدراما اللغوية التي يحرص الشاعر على توظيفها في نصوصه هي ما يعطي النص روحا متجددة بعيدة عن الجمود : غدوت أسائل الماضي أكنت حقيقة ؟ أم أنك الوهم ؟ الذي كتبت أنامله نهاياتي ! تلعثم ثم أخبرني بأن الريح عاتية وأن جميعهم ولَّى وفرَّ الجمع منهزما سوى من كنتَ تزعم أنها خانتْ فقد وقفتْ تقاوم وحدها التيارَ ما وهَنتْ وما ضعفتْ وما لانتْ ! . ص 18 هذه الحركة الدائبة في نصوص سامي أبوبدر نتاج طبيعي لثورة روحه على هذا الاضطراب والخلل الذي يسيطر على واقعه الإنساني ، لذا فهو ينظر من خلال نصه إلى العمق .. عمق اللحظة المنفلتة من إسار الزمن ليقبض عليها موقفا تلك اللحظات في نصوصه التي تجمع شظايا روحه المتناثرة : برغم الجراح التي تنزف الآه حين يحل ظلام العشية برغم انكسار العيون البريئة حين استحلت براءتها طعنة بربرية تراهم وقد أنشدوا فوق هذا الثرى وسط تلك المروج أهازيج عشق لتلك القرى والمدائن والنهر يعزف لحن الحنين وفي جانبيه خواطر من ذكريات شجية ! . ص 25 إذن نحن إزاء نصوص تعايش الواقع و تعبر عنه ، ولا تكتفي بمجرد ملامسته ، نصوص تلتصق بالإنسان و تعبر عنه في شتى حالاته : وَلَدِي الليل أقام بلا سفرٍ وتراقص فوق رفات الصبح وراح يغني أغنية الوجع الأبديّ يطاردُنا فاخلد للنوم وسَلِّم أمرك للنسيان ! . ص 37 ومن هنا تأتي لغة سامي أبوبدر لغة ثائرة متقدة كجمرة نار ، لغة يغلب عليها التمرد على هذا الواقع الجاف الذي لا يعبأ بأحلام البسطاء ولا يحنو على المهمشين : قم طارد الصمت المهين وقاوم العبرات . ص 40 هو لن يراني لحظة أخشى سياط الذل أو قهر الألم . ص 53 كما يبدو غرام الشاعر باستعادة الماضي بلحظاته الدافئة وإعادة تشكيل هذا الماضي في صور مختلفة .. وكأنه يهرب إليه ملتمسا العزاء : والدرب الذي غامرت في أرجائه معك ابتهاجا بالصِّبا هجرته أحلامي التي كانت تحلق في الفضاء . ص 11 يوم استباح الصمت أمنيتي بلا ذنب وأعلنتُ التمردَ لا الحداد . ص 33 هذا إلى جانب التأثر الواضح بالنص القرآني لفظا و معنى : ولِحِكْمةٍ ناداه قبل أنينهِ “ يأيها الإنسانُ إنك كادحٌ “ فاستسلم القلبُ المغامر للقضاء . ص 14 يا قوم هل من مدكر؟ . ص 45 أما قصيدته (ساعة من ليل) التي عنون الديوان باسمها فهي قصيدة قوية جزلة تدل على مقدرة فائقة وتمكن واضح من كتابة النص العمودي بروح حداثية ، جمعت هذه القصيدة الطويلة جدا في طياتها العديد من عناصر النص الجمالي من تناص و تشكيل رؤيوي غلبت عليه النوستالجيا ، ومجاز لغوي ، وغير ذلك مما أعطى النص روحا وجمالا : وظلام هذا الليل يحجب رؤيتي فكأنه سجن بلا قضبان ! لكنه كشف العَنان لخاطري ليدور فوق مشاعر الوجدان وفي النهاية لا بد أن نقرر أن سامي أبوبدر مازال لديه الكثير والكثير والذي سيظهر جليا في أعماله القادمة .. ونحن في الانتظار . |