في كل الأحوال، لا يكفي إقدام شركة أبل على تعتيم الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة، في تحديث لنظامها بما أسمته “نوبة الليل”، لإنقاذ نومنا من الأرق والكوابيس والأحلام المزعجة، إنها ببساطة أغرتنا لحملنا على الشغف بأجهزتها من دون أن تتمكن من حل مشكلة نومنا.
أو بحسب جيفري جودفيلو الأستاذ المساعد في كلية إيلينوي للبصريات “ما يمكن أن يبقينا بالفعل مستيقظين هو أننا نعمل على إشراك الدماغ، وعندما نغلق الجهاز يكون الدماغ لا يزال يعمل”.
الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة يحدث اضطرابا في ساعة الإنسان البيولوجية ويبقيه يعمل ويلهو فترة طويلة بعد موعد النوم. وهذا ما حاولت الشركة المصنعة لأجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية معالجته في تحديث نظامها التشغيلي.
ببساطة الخطر على نومنا ليس في الأجهزة وحدها، فنصف البريطانيين – وفق دراسة جديدة – يواجهون خطر التعرض لأمراض مزمنة، لأنهم عموما لم يحصلوا على كفايتهم من النوم، فالتصاقنا بالهواتف الذكية ليس وحده من سلب نومنا.
كل حياتنا تغيرت، نومنا تغير أيضا ولم نعد نهنأ بالنوم، بل لم نعد نحلم بما يكفي كي نستيقظ ونحن محمّلون بالأمل، لم يكتف الحلم بأن أصبح كابوسا بل صار أشبه باستعادة ذكريات مريرة.
ماذا يعني لبيولوجية الجسد عندما يكون النوم دورة ناقصة؟ ستكون الدورة ناقصة خلال ساعات الاستيقاظ أيضا، فيكفّ الدماغ عن التفكير بشكل طبيعي، ويصاب الجسد بالوهن.
من بين برامج تلفزيون الواقع كان ثمة مريض يستنجد بالطبيب العاجز عن معرفة ما به، يقول له إنه لا يهنأ بالنوم وحتى إذا نام لا يحلم، بل إنه يستعيد شريط ذكريات لأحداث عاشها في مراحل سابقة من حياته، الحلم بالنسبة إليه فقد مواصفاته المنعشة والمزعجة معا، وصار ألم ذكريات لا أكثر!
بعدها كان أول سؤال أطلقه الطبيب” كم ساعة تقضي أمام الكمبيوتر ومع الهاتف الذكي؟”.قد يعتقد هذا الطبيب أنه وجد العلة بمجرد معرفة عدد الساعات التي يقضيها الرجل مع هاتفه الذكي، لكن واقع الحال أن الأجهزة وضوءها الأزرق جزء من حياة معقدة نعيشها اليوم، فُقدت فيها البساطة وتفاقمت الالتزامات العملية المضنية، وجعلت الرابط بين قلوبنا وأدمغتنا أشبه بشريط ماكنة لا يكف عن الدوران.لكن جودي واجكام، مؤلفة كتاب “مضغوطون بالوقت.. تسارع الوقت في الرأسمالية الرقمية”، لا تستطيع أن تجزم بأننا ننام أقل مما كنا ننام قبل مئة عام، أو أن نومنا الآن مجزأ أكثر “هذا فقط ما يقوله الناس، ربما ننام على نحو أقل جودة”.وهذه هي الحقيقة يا سيدة جودي “إن نومنا أقل جودة” وكم بودي أن تعرفي أن الفنان سعدون جابر قد جسد مثل كلامك هذا قبل خمسين عاما وهو يغني “صوتي جزاني وعافت عيوني الحلم”!