كشف إعلام الاحتلال «الإسرائيلي» عن تنظيم أنشطة لتدريب أطفال في رياض الحضانة على حمل السلاح وإطلاق النار وتفريق التظاهرات، يرسي من حيث لا يعلن نظاماً فاشياً لا يقل خطورة عن أي منظمة إرهابية تربي أجيالاً من الأطفال على الكراهية وسفك الدماء والعدوان.
من نافلة الاستنتاج أن الزج بأطفال لا تتجاوز أعمارهم السنوات الخمس في أجواء مواجهة «عدو مفترض»، وفي هذه الحالة هو العربي والفلسطيني، سيزرع في نفوس هؤلاء الصغار تعاليم تقوم على الاستعداد الدائم لمواجهة من يصوّر أنه تهديد أزلي. وبإمكان علماء النفس أن يخضعوا هذه التجربة للتحليل ليكتشفوا أن الأطفال في هذه السن لديهم قابلية للتأثر والتعلم والمحاكاة في كل ما يدور في بيئتهم. ولن يستطيع طفل في مستوى الحضانة أن يقتنع بأن تدريبه على استخدام السلاح سيكون للدفاع عن النفس وتسجية للوقت وليس للبطش بالآخرين وتهيئته ليكون قاتلاً ومجرماً بحق تظاهرات سلمية، مثلما فعل آباؤه وأجداده في فلسطين المحتلة على مدى عقود الاحتلال البغيضة.
ربما تكون هذه النشاطات المسلحة المخصصة لأطفال في بعض مستوطنات الكيان محدودة وتهيّئ لولادة صهيونية جديدة، ولكنها في جانب من جوانبها تكشف طبيعة هذا المجتمع الصهيوني المحاصر بالخوف من المجهول، والذي لن يستطيع أبداً أن يعيش بسلام طالما يغتصب حقوق أصحاب الأرض الحقيقيين، ويسعى بكل ما أوتي من مخططات إلى أن يغير معالم فلسطين وجوارها ليبني الوهم الذي لم يسقط من مخيلته بعد. وكلما بدت بوادر الخيبة في مساعيه، توغل خطوات أبعد في ثقافة العنصرية ونفي الفلسطيني من الوجود، وهذا ما يلاحظ في مشاريع الاستيطان والتهويد والاعتماد على البطش الأمني والعسكري ورفض كل المبادرات الدولية الخاصة بالتسوية.
ليس جديداً أن يعتمد الكيان الصهيوني على مجتمع مسلح، وهو الذي اعتمد على عصابات مسعورة في اغتصاب فلسطين وتهجير أهلها قبل 68 عاماً. ومن المفارقة أن هذا الكيان، الذي يدّعي أنه ديمقراطي ويرعى حقوق الإنسان، لا يتوّرع عن «التنديد» بمقررات التعليم الفلسطينية والعربية التي لم تسقط مناهجها خريطة فلسطين ونكبتها التاريخية من أجل أن تظل القضية حية في النفوس والضمائر، ومن أجل أن تظل المطالبة بتحريرها لواء ترفعه الأمة جيلاً إثر جيل حتى يأتي اليوم الموعود. والفرق بين التربية الفلسطينية والتحريض الصهيوني، هو أن الأولى ترمي إلى التجذّر في الهوية والولاء لها، أما الثاني فهو تأكيد على سياسة العسف والغطرسة والجريمة، وجعلها مدوّنة سلوك يرضعها الأطفال ليسيروا عليها عندما يصبحون رجالاً في الغد القريب، وهي بحد ذاتها جريمة بحق هؤلاء الأطفال بقطع النظر عن المجتمع والثقافة التي ينتمون إليها، حتى ولو كانت «إسرائيلية».
الكثير من قادة الاحتلال ومستوطنيه يفاخرون بهذه المناورة التي تقوم بها أيضاً التنظيمات الإرهابية في الوقت الراهن مثل «داعش» و«القاعدة»، وجرّبتها إلى وقت قريب الأنظمة الشمولية الفاشية والنازية، وكانت النتيجة كارثية، فقد آذن الزج بالأطفال في حروب الكبار بزوال تلك الأنظمة مبكراً. ولن يفلت الكيان الصهيوني من المصير نفسه مهما بالغ في العسكرة وتمادى في عنصريته وعنجهيته المنافية لكل القيم والأخلاق.