قاسم ماضي
تتأجج فينا كل مفردة من مفرداته التي يبعثها لنا عبر سرده “ الحكي “ القصير والممتع ،وهو يقتنص لحظات الوعي الممكن ، التي خيمت على شعبه “هنا تجثم فوق الثرى توابيت حجرية “ فتعود تتساقط علينا من جديد ، وتدخلنا في ذات الأزمة التي تحيطه ،عبر فعالية التشخيص التي عودنا عليها “ الساعدي “ في قصصه المنشورة “ يغمض عينيه رهبة “ ونحن الفارون من ملاحم الموت والدمار ،لا نزال نحمل هذه المكابدات ، يلاحقنا بشخوصه التي نتنفسها وهو يكتبها على الورق من لحم ودم ، وهي أزمة مجتمع تكمن المأساة في جوانحهم “ يملأ كأس الحزن نحيباً “ ورغم عمق المأساة في واقعية “ الساعدي “ ظل يدور في فلك الزمان وهو يحمل مشعله الضوئي عبر أدوات لغوية ، مفعمة بالأمل ، يخضعها من جديد لبراعة الخلق الفني ،ومن خلال نوافذ كثيرة ، فيما يتعلق بالهروب من بلداننا ، والجراح والدمار والموت ، وفيها من المتخيل الكثير والواقعي ، ليقول لنا بصدق أنه يرى القارئ شخصية القصة على حقيقتها ، وهو يؤدي “ الساعدي “ ببراعة وظيفة امتساخ الزمن ، من خلال سرعته في وصف الأحداث التي تعج في مخيلته السردية ، وهو يهدف إلى أحداث تأثير مهيمن على القارئ “ الموت يتدلى من تحت خوافي القيامة “ وهو السائح والعابر للحدود، بقوة إلى مضمون الشخصية وإلى بعديها الزماني والمكاني ويمتلك عناصر الدراما التي إشترطت عليه عبر أدوات القصة ، وينضج أفكاره على نار هادئة ، بالتالي يكثف اللحظات أمام زمن عادي ورتيب ، عبر نسيج لغوي متماسك يجعلنا نتشابك معه ونتيه في بلاهة الصمت “كل شيء هنا يتغوط دخاناً ً وحرائق ، يتنفس قلقاً وتيهاً “ وهو يسأل عن المهاجرين من أبناء وطنه وأنا منهم ، وهم في “ تلفات “ الدنيا ،وكأنه واحد منهم ،إليس هو من حاملين الرسالة وهو يزاوج بين التاريخ والحاضر “ سأدحر الأمس بغدِ أفضل “ وهو يغوص في عالمه المترامي الأطراف ، شخوصه النائمة ، والحالمة في ذواتنا التي لا تنفكُ منا بسبب تراكم الأزمات ،وهي القلقة والباحثة عن نقطة ضوء ،وهذه الشخوص العليلة التي يظهرها في مختبره السردي ، محاولاً إنتشالها من أمراضها المزمنة ومنها ، القهر والعتمة ، والحروب التي لا تنفك من ملازمتها لهذا الوطن ، وتحاصرنا في اللحظات الصعبة ، حتى تلامسنا نحن البعيدين بالمسافات عن الوطن ، والوطن القريب إلينا من حبل الوريد ،نتنفسه ُوهو المذبوح من قبل الديناصورات المعلقة في سمائه منذ ُالخليقة إلى يومنا هذا “تقذف الحالمين في عرض البحر “ والساعدي “ بمعوله الأدبي يستصرخ الضمائر النائمة التي أرادات أن تجعل كل إراداتها فوق نفس الفقراء والطامحين إلى الحرية .يقول الناقد الكبير “ فاضل ثامر “ راحت القصة القصيرة تبحث عن شعريتها ، والتي تعني هنا الآليات التي تعتمدها في صياغة الخطاب السردي وعناصره الدلالية والسيميائية المختلفة ، للارتقاء به جمالياً وتأويلياً إلى مستويات جديدة ، تجعله قادراُ على إشراك القارئ في عملية استنطاق المعنى . “ هنا تجثم فوق الثرى توابيت حجرية ، تقطر شغفاً لمن تقاذفتهم أمواج العتمة وظلال الحروب العديدة “ وهو يشخص العلل عبر أدوات كثيرة مكونة تفضي به إلى خلق حيرة وتعجب من شيء مألوف او غير مألوف ، فالقاص “ الساعدي “ يعطينا نفسًا شعرياً لعنوان قصته التي أراد لها الذهول والحيرة . “ الهاربون من جادة الجحيم يتدحرجون من جهة إلى أخرى “ وهو لا يشغله غير هدف التخلص من قبضة الظلم والإضطهاد التي نزلت على شعبه ، وتلك الصور التي يوظفها لنا بلايانا فيها من جيل إلى جيل آخر ، وهو لم يفقد الأمل في كل قصة من قصصه التي كتبها ، ليستصرخ هذا العالم ، والكاتب “ الساعدي “ يبحث عن طريق الخلاص وهو مازال يعيش غريباً في وطنه . “ الأبصار شاخصة إلى السماء “ يقول عنه الناقد “ صالح هشام “ أعتقد أن القاص “ الساعدي “ يحفظ وصية “غارسيا ماركيز “ عن ظهر قلب ، فهو في قرارة نفسه يكتب الأفضل على الإطلاق ، وفي النهاية يبقى له من هذه الإرادة شيء ما يجعله نصوصه مميزة جداً “ للبحر قربان إذا ما عبرنا “ إن خلق حالة التتابع المتوازنة في الشخصية في قصته “ قرابين البحر “ المنشورة في مجلة الأديب الصادرة عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق ، وهي مجلة فصلية ، لهو من أنجع الوسائل للوصول إلى تحديد مناسب للبعدين بين الشخصية وكاتبها ، وسبق أن أصدر العديد من المجاميع القصصية نذكر منها “ ما بعد الخريف “ وغيرها من المجاميع
|