تعيين وزراء تكنوقراط أو فنيين في الحكومة العراقية ليست خطوة اصلاحية بسيطة كما يعتقد البعض، كما أنها ليست إجراءً غير كاف في مسيرة الاصلاحات كما تتصور بعض الأوساط السياسية.
من الناحية العملية، يعني وجود وزراء تكنوقراط في ادارة الوزارات والمؤسسات في الدولة والحكومة أن كل الخطوات والقرارات ستتخذ بمعزل عن الأحزاب السياسية ومصالحها ونفوذها وتأثيرها وهذا حيوي في أن يفكر الوزراء بخيارات علمية لإدارة الملفات التي يخدمون من أجلها.
كما أن من أهم دلالات وجود وزراء تكنوقراط في أية حكومة في أي بلد أن نسبة الفساد ستتراجع الى أدنى مستوياتها لأن طبيعة الإدارة العلمية تتجه الى تحقيق نتائج فعالة وحقيقية وتتعامل مع الماكنة الادارية بتقييمات منهجية لا تراعي المجاملات أو الانطباعات أو العلاقات الشخصية أو أية اعتبارات أخرى.
في التفاصيل، نرى ان اسلوب الادارة التكنوقراطية لا يفسح المجال للمتطفلين من الموظفين للوصول الى مواقع مهمة في المؤسسات والوزارات، كما أن هذا الأسلوب في منهجيته يستطيع أن يكشف أية محاولة فساد محتملة وبشكل استباقي.
بالمقارنة، كل الدول الناجحة اقتصادياً في العالم تعتمد على وزراء وموظفين تكنوقراط واسلوب عمل تكنوقراطي علمي لأن الأستعمال الذكي للموارد والطاقات يتم بقيادة تكنوقراطية لا سياسية أو حزبية، وهذا أمر معروف في الدولة القوية اقتصادياً مثل اليابان ودول غرب أوروبا، كما أن الصين - وهي جمهورية يحكمها الحزب الشيوعي - اعتمدت الأسلوب والادارة التكنوقراطية في قيادة الموارد والطاقات وعزلت الحزب عن مؤسسات الدولة الحيوية، كما نجحت الصين في ترشيح موظفين تكنوقراط وتحويل حزبيين الى تكنوقراط وهي عملية ساهمت في نهضة الصين في الوقت الراهن. بصورة واقعية: يمكن لشخصية تكنوقراطية أن تكون سياسية أو لديها رأي سياسي أو مواقف سياسية ولكن على المستوى العملي والاداري، هي شخصية علمية لا تتأثر بحسابات السياسة والحزب الذي تنتمي اليه، وهنا نتحدث عن شخصية استثنائية في مؤهلاتها وتركيبتها يمكنها من أن تفصل حياتها الخاصة عن حياتها العملية في الشأن العام للدولة والمجتمع.في الحالة العراقية، نحن نحتاج الى وزراء تكنوقراط والى موظفين تكنوقراط لأن الخشية أن معظم الموظفين في الخط الأول والثاني والثالث وهي الخطوط التي لها ثقل على القرارات الادارية والتفصيلية هم من الحزبيين والسياسيين الذين لا يستطيعون الفصل بين انتماءاتهم السياسية وبين دورهم الوظيفي العام وهذه مشكلة منهجية بالنسبة للوزير وان كان تكنوقراطياً، بمعنى ان هذا الوزير لا يمكنه أن يتابع بنفسه الخطط المصيرية في مؤسساته ووزارته من دون الاعتماد على موظفين تكنوقراط يؤمنون بالعمل العلمي والنتائج العلمية وينبذون المكاسب والمصالح الضيقة لهم ولأحزابهم.بصراحة، من ابرز مهام الوزير التكنوقراط أن يأتي بطاقم وفريق عمل حوله من التكنوقراط وهذا شرط في أن ينجح هو كوزير تكنوقراطي، كما أن عليه أن يدعم تعيين موظفين تكنوقراط يملكون عقلية علمية ولا يتأثرون بالعوامل السياسية لا من قريب ولا من بعيد.وفي الحالة العراقية أيضاً، ولضمان عمل تكنوقراطي فعلي، يجب أن يحظر على الأحزاب السياسية والشخصيات السياسية من التواصل مع موظفين في المؤسسات والوزارات لأننا نرى في بعض الأحيان لقاءات بين قادة سياسيين وبين وزراء وموظفين كبار في مشاريع كبيرة وهذه اللقاءات على الأرجح لها تأثير سياسي أو هي محاولة للتأثير السياسي أو التدخل السياسي في عمل المؤسسات والوزارات.
التطور الجميل الذي نتمناه في الوضع العراقي هو التزام السياسيين بدورين الاول، دعم التشريعات المفيدة من خلال دورهم في البرلمان والتي تقوي البنية التكنوقراطية في البلاد. أما الدور الثاني، فهو أن يؤمن السياسيون والنواب بطريقة عمل التكنوقراط في قيادة العراق في المرحلة القادمة لأن ذلك سيكون مفيداً بنتائجه على مجمل الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية لأن تقدم البلد في نتائج الخدمات والأعمال هو تقدم في نتائج حياة المواطنين وهو تقدم في الوعي السياسي والأداء السياسي وفي نظرة الشارع للسياسة والسياسيين.