هل يجمع ما يسمى الخطر الايراني، تركيا والسعودية بعدما فرقتهما خلافات الماضي القديم الملتبس بالصراع بين الدولة العثمانية والدولة السعودية أو ما يعرف في كتب التاريخ بالصراع الوهابي العثماني؟ اوحتى زيارة الملك السعودي لتركيا والاستقبال المميز الذي لاقاه هناك، بأن صفحة جديدة تفتح بين البلدين بعدما جمعتهما المصيبة في سوريا وتعاظم الدور الايراني واخيرا الروسي في المنطقة على حسابهما، فهل التحالف الجديد متين؟ وهل يقدر على قلب المستجدات في الاقليم وتغيير مجرى التحولات الكبرى في المنطقة؟.
بالنسبة للسعودية فإنها تواجه مأزقاً في سياساتها الإقليمية. فحربها في اليمن لم تحقق النتائج المرجوة رغم مرور سنة على بدئها. والتحالف العربي، كما القوة العربية المشتركة، لم يجد مشاركة فعالة إلا من بعض دول الخليج، مثل الإمارات والبحرين، فيما لم تشارك فيه دول كانت تعوّل عليها السعودية مثل مصر وباكستان. أما التحالف الإسلامي، الذي أعلنت عنه الرياض اخيراً، فليس من ردود فعل إيجابية عليه من الدول الوازنة، ولا تعرف مساراته، وما إذا كان سينطلق في الأساس.
وفي سوريا لا تبدو التطورات الميدانية، تسير لمصلحة المعارضة المدعومة من الرياض. وفي المجال السياسي لم تجد مقررات مؤتمر فيينا، ولا قرار مجلس الأمن الرقم 2254، ترحيباً من السعودية، حيث إن نقطة الخلاف الأساسية حول مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد لم يشر إليها. لذا بدت الحاجة للسعودية أن تمضي إلى خطوة أكثر تقدماً بتوثيق علاقاتها مع تركيا تحديداً، المعنية بقوة بالشأن السوري والطرف الأكثر قدرة على إعطاء الرياض شيئاً ما. لكن أيضاً فإن السعودية لا يقتصر خلافها مع دول إقليمية، مثل سوريا وإيران، والعراق إلى حدّ كبير، بل إنها في تنافس ضمن العائلة الخليجية، ولا سيما مع قطر.
أما من جهة تركيا، فإنها تمرّ في فترة لا تُحسد عليها لجهة العزلة شبه الشاملة التي تعانيها في المحيط الإقليمي. ففي سوريا تواجه المجموعات، التي تدعمها تركيا، تراجعاً ميدانياً، ولا سيما في ريف اللاذقية المحاذي للحدود التركية. والتوتر تصاعد مع إيران بسبب العراق، فضلاً عن سوريا. والتوتر عاد مع أرمينيا بسبب تجدد المعارك بين أرمينيا وأذربيجان. كذلك جاءت قرارات فيينا ومجلس الأمن غير منسجمة مع الأهداف التركية، خصوصاً بالنسبة لمستقبل الأسد.وقبل ذلك جاء التوتر مع موسكو، ليحشر تركيا أمنياً وعسكرياً واقتصادياً في سوريا وفي الداخل التركي.
لذا فإن تركيا تحتاج إلى نافذة تكسر عبرها العزلة الإقليمية من جهة والعقوبات الاقتصادية الروسية من جهة أخرى. وهي الدوافع نفسها التي جعلت أردوغان ينفتح على إسرائيل، ويقول إن إسرائيل تمثل حاجة لتركيا ومصالحها.إذاً، فإن فكرة التقارب بين تركيا والسعودية تخدم الطرفين في هذه اللحظة حيث الصعوبات والتحديات التي يواجهانها، في ذروتها. وقياساً على التجارب السابقة هذه، فإن الرهان على نجاح هكذا تحالفات ليس في محله. لكن الأسباب الموضوعية هي التي تحكم على هذه النظرة إيجاباً أو سلباً. كل طرف من طرفي التحالف له أهدافه ومشكلاته، منها الخاص به ومنها المشترك. فإذا انطلقنا من الأهداف المشتركة، فإن الموقف من الوضع في سوريا وتشديد الضغط على النظام السوري يأتي في طليعة هذه الأهداف. ويمكن أن يمضي الطرفان إلى أقصى حد في التعاون لمزيد من دعم المعارضة. مع ذلك فإن القدرة التركية على التحرّك الميداني في سوريا، بعد التوتر التركي ـ الروسي الأخير، تقلّصت.
لا شك في أن الأولويات تختلف لدى كل من أنقرة والرياض، فالسعودية تضع اليوم نصب أعينها كهدف استراتيجي إضعاف إيران في المنطقة عموماً. ومع أن أردوغان يتمنى أن ينهض يوماً ويجد إيران قد ابتلعها بحر قزوين ولم تعد جارة لتركيا، غير أن التمنيات شيء والحقائق والضرورات الجغرافية والمصالح تفرض عليه، كما فرضت على أسلافه على مدى عقود بل قرون، مقاربة مرنة مع الجار اللدود.
فإذا كانت السعودية ترغب في أن ترى تركيا إلى جانبها في معركة مفتوحة مع إيران، فهذا من سابع المستحيلات، على رغم الخطاب المذهبي ينطق به أردوغان. وما يلجم تركيا الذهاب إلى النهاية في العداء والمواجهة مع إيران أكثر من سبب، منها ان إيران هي النافذة الجغرافية الأكثر أماناً الوحيدة الآن أمام تركيا بعد التوتر مع سوريا والعراق وروسيا وأرمينيا، وحاجة تركيا النفط والغاز المستورد من إيران لاسيما في ظل التوتر مع موسكو، والحرب مع الكرد حيث لسوريا والعراق وإيران قدرة كبيرة على التأثير في الورقة الكردية، والخوف من تفشي الاحتقانات المذهبية في داخل تركيا بين السنّة والعلويين.لذا فإن تركيا غير مستعدّة أن تذهب مع السعودية إلى النهاية في العداء لإيران.