لا يمكن وصف ما حدث في البرلمان العراقي في الأيام الماضية، إلا انه انقسام عميق بين أعضاءه نتج عنه فريق قام بإقالة رئاسة البرلمان وفريق آخر لا يعترف بالخطوات التي قام بها الفريق الاول ويعدها غير قانونية. ولكن ما حدث وضعنا امام تساؤلات كثيرة اهمها: هل ان ما يجري هو انتصار لملف الإصلاح؟ وهل ان ما يحدث تقف وراءه نوايا صادقة باتجاه الخروج من المحاصصة ومحاولة جادة لتلبية مطالب الشعب العراقي؟ وهل يمكن ان يعول الشعب العراقي على هذه النوايا؟ ام ان ما حدث هو تصادم سياسي لدى بعض النواب المعتصمين من اجل الانتقام السياسي من الأطراف الأخرى وسينتهي بالتفاوض والتوافق السياسي من جديد؟
وقبل الإجابة عن كل هذه التساؤلات نقول بان ما حدث بغض النظر عن النوايا الذي تقف وراءه سيدخل ضمن إطار الضغط السياسي على المؤسسة التشريعية وعلى السلطة التنفيذية للمضي قدما في مشروع الإصلاح والتصويت على الوزراء التكنوقراط الذين قدمهم السيد رئيس الوزراء في القائمة الأولى والمضي قدما في الخطوات التالية لاصلاح مؤسسات الدولة بعيدا عن المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية.
ولابد من الإشارة هنا الى ان اصطفاف نواب من كتل مختلفة وأحزاب متنوعة يمكن ان يسهم في تشكيل كتلة تكون عابرة للمحاصصة وعابرة للطائفية والقومية والحزبية. ولقد جاءت نداءات كثيرة بهذا الاتجاه على مدى السنوات الماضية الا إننا لم نشهد ولادة هذه الكتلة البرلمانية. اليوم جاءت هذه الكتلة بطريقة سريعة وربما غير مدروسة حيث كان من المفروض والمنطقي ان تسبق هذه الأحداث بزمن طويل فالتسلسل الزمني يفرض اولا ولادة هذه الكتلة ذات الأغلبية في العدد والرافضة للمحاصصة ومن ثم تاتي الى البرلمان بقيادة موحدة وأهداف وخطة واضحة لتكون مؤثرة في المشهد التشريعي في البلاد. وبالمقابل فان وجود مثل هذا التجمع البرلماني الكبير في حال نجاح مشروعه سينتج معارضة برلمانية مقابلة له لنكون أمام اول معارضة برلمانية في التجربة الديمقراطية العراقية. ان ما حدث من انقسام في البرلمان العراقي هو ممارسة عادية قد حصلت في الكثير من دول العالم مع اختلاف الآليات والخبرات والإرادة والقدرة على تطبيق المطالب وادارة الدولة بطريقة صحيحة تتناسب مع التحديات الأمنية والاقتصادية التي يمر بها البلد .
ما نريد ان نقوله، أننا أمام حالة جديدة على التجربة الديمقراطية العراقية أصبحت تهدد بقاء اكثر من مؤسسة مهمة في الدولة ولذلك لابد من بذل الجهود المخلصة من قبل جميع الأطراف في محاولة للوصول الى مساحة مشتركة من خلال توجه الجميع نحو تغليب المصلحة الوطنية العليا ومحاولة استثمار الفرصة لتصحيح مسار العمل السياسي ومغادرة الكثير من أخطاء التأسيس وأهمها آفة المحاصصة التي مازال البعض متمسكا بها رغم التطورات الخطيرة التي يشهدها الحراك السياسي المعقد في العراق.