نجاح العلي هناك فرق بين من يتحدث عن الفساد بشكل عام دون الخوض في تفاصيله، وبين من يتناوله في تفاصيله الدقيقة، فهناك شياطين عديدة تكمن في هذه التفاصيل وليس شيطانا واحدا فقط، بحكم عملي في احدى المؤسسات التي تعنى بمكافحة الفساد وطوال مسيرتي المهنية مع ثلاثة مفتشين عموميين عبر اللجان التفتيشية والتحقيقية وجدت الكثير من القوانين والتعليمات التي تشرعن الفساد وتسهل تهرب المفسدين منه، او ما يمكن ان نصطلح عليه بـ(الفساد المقنن) الذي لايمكن ان يكتشفه ديوان الرقابة المالية او لجان النزاهة عبر الطرق التقليدية، ورغم محاولات هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين في الوزارات والهيئات مازال العراق يتبوأ مركز الصدارة في التقارير السنوية لمنظمة الشفافية الدولية، اذ ان اغلب عمليات الفساد في بلدنا تأتي عبر لجان المشتريات في دوائر ومؤسسات الدولة وفي المناقصات والعقود المبرمة مع الشركات المحلية والاجنبية وفي التعيينات واشغال الدرجات الوظيفية والتسرب الوظيفي او ما اشيع استخدامه اعلاميا (الفضائيين). فيحرص المسؤول على زج احد معارفه في لجان المشتريات او لجان ابرام العقود والمناقصات او لجان التعيين رغم ان بعضهم تم تعيينه حديثا اذ لاتتجاوز خدمته بضعة شهور ولايمتلكون خبرة ادارية وقانونية تؤهلهم للدخول بتفاصيل الشراء وتوقيع العقود وارساء المناقصات وفي عملية اختيار المتعينين حديثا، ويكونون مسيرين من بعض اصحاب النفوس الضعيفة، ومن الغريب ان المشرع لم يتنبه لهذا الموضوع المهم والحساس فمن المفترض وضع تعليمات ونصوص تمنع زج موظفين حديثي عهد بالوظيفة بهكذا لجان بل عليها ان تضع شرطا وهوان لاتقل خدمة الموظف عن خمس سنوات او كثر تؤهله ليكون عضوا في هذه اللجان مما يقلل من امكانية حدوث الفساد.الامر الاخر المتعلق بلجان المشتريات وابرامها اتفاقات مشبوهة مع اصحاب المحال والشركات بأخذ عمولة، وهو امر معروف ومتداول في الاسواق العراقية مع الاسف الشديد، بل ان بعض المحال تعطي لهذه اللجان وصولات فارغة لتقوم هذه اللجان بملئها كما تريد وبالاسعار والمواصفات التي تريد، دون حسيب او رقيب، وهو امر لايمكن اكتشافه الا عبر مقارنة اسعار الشراء المثبتة في الوصولات مع اسعارها في السوق، وحتى لو ثبت وجود فرق شاسع، فانه بحسب القوانين والتعليمات في العرف الاداري العراقي يتم التحقق من صحة الوصولات واختامها فقط، دون القدرة على اثبات التواطؤ او الفساد بشكل قانوني لان الاسعار متفاوتة من محل الى اخر ومن وقت الى اخر وجميعها ترتبط بالعرض والطلب واسعار صرف العملات الاجنبية، ولتلافي هذه الحالات، بالامكان تثبيت سعر الشراء في الوصولات بالدولار وتسهيل عمليه شراء لجان المشتريات عملة الدولار من البنك المركزي العراقي وبالسعر الرسمي الموثق رسميا بشكل يومي بالنشرات الدورية للبنك العراقي المركزي وبالتالي قطع الطريق على الفاسدين واصحاب النفوس الضعيفة في التلاعب بالاسعار، كذلك بالامكان تفعيل الاسواق المركزية العراقية وحصر عملية الشراء منها مما يقلل من التلاعب بالوصولات التي تصدر في هذه الحالة من جهة رسمية وايراداتها تذهب الى خزينة الدولة ومعرضة للتفتيش والرقابة.وقد يحصل في احيان معينة تواطؤ بين هذه اللجان والاعضاء المراقبين في مكاتب المفتشين العموميين باقتسام غنيمة الفساد، فبدل ان تقوم الجهات الرقابية بالكشف عن الفساد تدخل شريكا في الجريمة خاصة وانه في ارض الواقع هناك اقارب واصدقاء لموظفي المكاتب في الوزارة او المؤسسة المكلفين بمراقبتها فتدخل المجاملات والتستر او المشاركة في عمليات الفساد، ولمعالجة هذا الامر نقترح ان تتم مناقلة موظفي المكاتب بين الوزارات والدوائر للقضاء على كارتلات الفاسدين الذين تجمعهم العلاقات المالية المشبوهة وتبادل المصالح، وان تتم عملية المناقلة بصورة دورية كل ستة اشهر او سنة او سنتين كحد اقصى.
|