بغداد / المستقبل العراقي
تعيش السعودية منذ بداية عهدها الجديد موسم الإعلانات «الطنانة» التي يراد لها أن تحدث صدمة، وزمن «الأوسمة» التي تقلَّد لقياداتها في الشرق والغرب تهليلاً لاستثماراتها وعقودها الضخمة برغم شح المدخول النفطي. وفي هذا السياق، لم تخلُ زيارة الملك سلمان إلى «بلده الثاني»، مصر، والتي يرافقه فيها ولي ولي عهده محمد بن سلمان، من عنصر المفاجأة، بعد إعلانه عن تشييد جسر بري سيربط بين البلدين، مع تقليده «قلادة النيل»، أرفع الأوسمة المصرية. وإذا كان الإعلان عن توقيع اتفاقيات مهمة خلال هذه الزيارة متوقعاً، فالتوافقات السياسية التي ظلت بعيدة عن الإعلام تبقى الحصيلة الأكبر، إذ تغلبت المصالح المشتركة في زمن التهويل من «النفوذ الإيراني»، على الخلافات، بعدما باتت الحلول تُطبخ لهذه الأخيرة في الغرف المغلقة، من سوريا إلى اليمن، إلى ليبيا. وأعلن الملك سلمان في اليوم الثاني من زيارته مصر، الاتفاق على تشييد جسر يربط بين البلدين، كما تم توقيع 17 اتفاقاً تشمل مجالات إنمائية، في رسالة دعم قوية للرئيس عبد الفتاح السيسي، وخصوصاً في سيناء التي تعاني من الإرهاب. ومنذ إطاحة الرئيس الإسلامي محمد مرسي في العام 2013، قدمت السعودية مساعدات اقتصادية كبيرة لمصر، تضمنت مليارات الدولارات على شكل استثمارات وحوافز اقتصادية. لكن رجل أعمال سعودياً مطلعاً قال لوكالة «رويترز» إن الدعم المالي الذي تقدمه المملكة لحليفتها «لن يشمل منحاً بعد الآن، بل سيأخذ بشكل متزايد صورة القروض التي توفر للسعودية إيرادات تساعدها على مواجهة تدني أسعار النفط». واعتبر رجل الأعمال أن «هذا تغيير في الاستراتيجية. فالعائد على الاستثمار مهم للمملكة في الوقت الذي تنوع فيه مصادر الإيرادات». وتصر الرياض على الحيلولة دون فشل الدولة المصرية برغم شكوك خليجية بمدى قدرة السيسي على مكافحة الفساد المستشري، كما تصر على مصر «صديقة وحليفة» من خارج المنظومة الخليجية لمواجهات «التحديات» المشتركة. ويقول محللون إن الرياض ستحافظ على بعض المساعدات المالية للقاهرة مستقبلاً، بالرغم من تقليص ميزانيتها جراء تدني أسعار النفط. وعقد السيسي وسلمان جلسة مباحثات موسعة بحضور وفدي البلدين، أعقبها توقيع 17 اتفاقاً بين مسؤولي البلدين في مجالات الإسكان والكهرباء والصحة والتعليم والزراعة والمالية، وتقليد سلمان أرفع وسام مصري، هو «قلادة النيل»، وذلك «توثيقاً لعرى الصداقة وتوكيداً لروابط الوداد»، بحسب ما أعلنت الرئاسة المصرية. وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع السيسي في قصر الاتحادية الرئاسي شرق القاهرة، أعلن سلمان عن اتفاق البلدين على تشييد جسر يربط بينهما»، معتبراً أن «هذه الخطوة التاريخية متمثلة في الربط البري بين القارتين الأفريقية والآسيوية، وتُعدّ نقلة نوعية، إذ ترفع التبادل التجاري بين القارتين لمستويات غير مسبوقة وتدعم صادرات البلدين». وأضاف أن الجسر «سيشكل منفذاً دولياً للمشاريع الواعدة بين البلدين ومعبراً رئيسياً للمسافرين من حجاج وسياح، بالإضافة إلى فرص العمل التي سيوفرها لأبناء المنطقة». وقال سلمان «إننا فخورون بما حققناه من إنجازات جعلتنا نعيش اليوم واقعاً عربياً وإسلامياً جديداً تشكل التحالفات أساسه. فلقد اتحدنا ضد محاولات التدخل في شؤوننا، فرفضنا المساس بأمن اليمن واستقراره، وأكدنا تضامننا من خلال تحالف إسلامي عسكري لمحاربة الإرهاب شمل 39 دولة هو الأقوى في تاريخ أمتنا الحديث، وبعثنا قبل أيام برسالة إلى العالم عبر رعد الشمال، نعلن فيه قوتنا في توحدنا. وقد كانت مصر، وكعادتها، من أوائل الدول المشاركة بفاعلية في هذه التحالفات». من جهته، اعتبر السيسي أن زيارة الملك السعودي «تأتي توثيقاً لأواصر الأخوة والتكاتف القائمة بين بلدينا، وتُرسي أساساً وطيداً للشراكة الاستراتيجية بين جناحيّ الأمة العربية مصر والسعودية». واعتبر السيسي أن «أمتنا العربية والإسلامية تمر بمرحلة دقيقة نتحمل فيها مسؤولية كبرى أمام شعوبنا وخاصة الأجيال القادمة، وأثق أن خصوصية العلاقات المصرية السعودية، وما تنطوي عليه من عمق ورسوخ سوف تمكننا سوياً من مواجهة التحديات المشتركة والتعامل الجاد مع كل من يسعى للمساس بالأمن القومي العربي أو الإضرار بالمصالح العربية، أو تهديد الأمن والاستقرار الذي تتطلع إليه شعوبنا». وفي ختام كلمته، قال السيسي «اسمح لي جلالة الملك أن نطلق على الجسر اسم جسر الملك سلمان بن عبد العزيز». ويتم النقل البري بين مصر والسعودية حالياً عن طريق الحافلات والسيارات عبر عبّارات بحرية بين ميناءي نويبع في سيناء وينبع في السعودية، او حتى عبر الأردن، ما يستغرق وقتاً وجهوداً كبيرة. وبحسب ما نقل موقع «اليوم السابع»، فقد أكد وزير النقل والمواصلات المصري جلال سعيد أن «الإجراءات السياسية لإنشاء الجسر البري بين مصر والسعودية تم الانتهاء منها»، لافتاً إلى أنهم حالياً «بصدد البدء في الإجراءات الفنية». وأوضح السعيد أن قرار إنشاء الجسر البري بين مصر والسعودية «قرار سياسي على أعلى مستوى»، مشيراً إلى أن هذه الاتفاقية «ستسهل عملية التبادل التجاري وعملية نقل الركاب والشاحنات بين البلدين». من جهته، أوضح مدير «مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية» في الرياض أن «مركزنا هو الذي أعدّ الدراسات لإقامة الجسر البري». وأضاف عشقي أن «الجسر سيكون على مرحلتين. الأولى تمتد من منطقة الشيخ حميد في السعودية، وتصل لجزيرة تيران في خليج العقبة. والثانية ستكون من جزيرة تيران إلى جنوب شرم الشيخ بعشرة كليومترات»، لافتاً إلى أن «طول الجسر الإجمالي سيكون 19 كيلومتراً: ستة كيلومترات من الشيخ حميد لتيران، و13 كيلومتراً من تيران إلى جنوب شرم الشيخ». يذكر أن تيران هي جزيرة في خليج العقبة ومتنازعة السيادة عليها بين البلدين. ولفت عشقي إلى أن «تكلفة الجسر ستكون بحسب إمكانياته. فالجسر ليس مخصصاً لحركة السيارات فقط، وهو سيشتمل على كابل ربط كهربائي بين البلدين. وخط سكة حديد. ومن المقرر أن يشمل خط أنابيب لنقل الغاز. وخط أنابيب لنقل البترول». وأعقب المؤتمر الصحافي للسيسي وسلمان توقيع 17 اتفاقاً شملت مشروع تشييد تجمعات سكنية ضمن برنامج تنمية شبه جزيرة سيناء، وآخر للتنمية الزراعية في سيناء وأيضاً على إنشاء جامعة الملك سلمان في مدينة الطور جنوب سيناء. وستمول السعودية إجمالاً مشروعات بقيمة 1.5 مليار دولار في سيناء، ما يُعدّ استثماراً نادراً حالياً في شبه الجزيرة التي يتعرض شمالها لهجمات دامية ينفذها الفرع المصري لتنظيم «داعش». كما اتفق البلدان على إنشاء محطة كهرباء غرب القاهرة بقيمة 100 مليون دولار وتطوير مستشفى «القصر العيني» بقيمة 120 مليون دولار، وعلى ترسيم الحدود البحرية بينهما من دون إعلان مزيد من التفاصيل. |