بغداد / المستقبل العراقي
أعلن العراق في 20 آذار من العام الجاري عن تصديره الشحنة الأولى من مكثّفات الغاز، من ميناء خور الزبير في جنوب البلاد إلى ميناء الفجيرة في الإمارات العربيّة المتّحدة، وذلك للمرّة الأولى في تاريخه. ونقل عن وكيل وزارة النفط العراقيّة لشؤون الغاز حامد الزوبعي قوله خلال مؤتمر صحفي أمام وسائل الإعلام يوم 20 آذار إنّ «شركة غاز البصرة نجحت في تصدير الشحنة الأولى من مكثّفات الغاز بواسطة ناقلة بنميّة تدعى «كورا أي»، وإنّ «الشركة العراقيّة لتسويق النفط (سومو) قامت بتنظيم إجراءات تصدير الشحنة البالغ حجمها 10 آلاف متر مكعّب، ومن المتوقّع تصدير شحنة ثانية من المادة نفسها بعد فترة وجيزة». فما الذي يعنيه هذا التطوّر وهل يعتبر بداية جديدة لصناعة الغاز في العراق؟ يعدّ العراق أحد أغنى بلدان العالم بالغاز الطبيعيّ. فكما تشير وكالة معلومات الطاقة الأميركيّة، بلغت احتياطات الغاز العراقيّة المؤكّدة في بداية عام 2015 حوالى 112 تريليون قدم مكعّب، ممّا يضع البلد في المرتبة الثانية عشرة في حجم احتياطات الغاز عالميّاً. لكن، على عكس البلدان المجاورة مثل إيران وقطر، فإنّ حوالى ثلاثة أرباع موارد الغاز الطبيعيّ في العراق، حسب تقديرات الوكالة، هي من النوع المصاحب، أي أنّها تتواجد في باطن الأرض مختلطة مع النفط. تضع هذه الخاصيّة قيوداً على عمليّة إنتاج الغاز، أوّلاً لأنّ زيادة الإنتاج منه ترتبط بزيادة الإنتاج من النفط، وثانياً لأنّ عمليّة فصله عن الخام الأسود ومعالجته لاستخدامه كغاز للطهي أو كمولّد للكهرباء تتطلّب تقنيّات ومرافق خاصّة. وبالإضافة إلى الخسارة الماليّة التي يتكبّدها العراق بسبب حرق الغاز والتي تقدّر بـ5 ملايين دولار يوميّاً، والأضرار البيئيّة المترتّبة عن هذه العمليّة، فإنّ هذه السياسة تضع عقبات في طريق استغلال الغاز لأغراض توليد الكهرباء في بلد يعيش نقصاً في إمداداته، وهو ما يؤدّي في النهاية إلى تعميق التوتّرات الاجتماعيّة والسياسيّة وزيادة الاعتماد على الخارج لتأمين هذه الإمدادات. وقدرت شركة «شل» الهولنديّة التي تستثمر في مشاريع النفط والغاز في جنوب العراق عام 2013، أنّ تحويل الكميّات المهدورة من الغاز إلى كهرباء، سيساعد في توليد 4.5 جيجاوات من الطاقة الكهربائيّة التي ستكفي لتغطية حاجات 3 ملايين منزل تقريباً. هذا الواقع المأساويّ لقطاع الغاز بنتائجه السياسيّة والاقتصاديّة التي تهدّد استقرار البلاد، وضع المزيد من الضغوط على المسؤولين في الحكومة العراقيّة لتغيير مقاربتهم في شأن استغلال الموارد الطبيعيّة لبلدهم. وكما يعترف وزير النفط العراقيّ عادل عبد المهدي في مقال حديث نشره موقع وزارة النفط في 15/03/2016، فإنّ «الشركات لم تلزم في جولة التراخيص الأولى باستخلاص الغاز المصاحب، لكن بدءاً من جولات التراخيص الثانية أدرجت موادّ تلزم المتعاقدين باستخلاص الغاز». ويعدّ مشروع غاز البصرة الذي أطلقته الحكومة العراقيّة بالشراكة مع «شل» الهولنديّة و»ميتسوبيشي» اليابانيّة في عام 2011، والذي بدأ أعماله الفعليّة في عام 2013، أكبر مشروعات استخلاص الغاز المصاحب ومعالجته حول العالم، ويمثّل ركيزة أساسيّة في جهود العراق لاستغلال موارد الغاز في شكل أكثر كفاءة. وقد منح البنك الدوليّ الذي يدير مبادرة شراكة عالميّة لتقليل الكميّات المحروقة من الغاز في تشرين الأوّل 2015، جائزة التميّز التقديريّة إلى شركة غاز البصرة على جهودها في تقليص كميّات الغاز المحروق من الحقول التي تديرها، قبل أن يقوم مجدّداً بمنح جائرة أخرى إلى وزارة النفط العراقيّة على جهودها في المجال نفسه في آذار من العام الجاري، في خطوة تشير إلى تقدّم البرنامج العراقيّ لإصلاح قطاع الغاز. يعتبر الإعلان عن تصدير الشحنة الأولى من مكثّفات الغاز، إشارة إيجابيّة إلى تقدّم الجهود المبذولة لاستغلال موارد الغاز في العراق في شكل أفضل. وسيخلق الاستمرار في هذا المسعى، خصوصاً إذا ازدادت الكميّات المتاحة للتصدير مستقبلاً، فرصة جديدة لحصول بغداد على موارد ماليّة إضافيّة في ظلّ انخفاض أسعار النفط وتراكم العجز الماليّ واللجوء إلى الديون الخارجيّة لتغطيته. لكنّ الطبيعة الجيولوجيّة الخاصّة لموارد الغاز العراقيّة تعني أنّ زيادة إنتاج الغاز مرتبط في استمرار زيادة إنتاج النفط، وهو أمر يصعب التكهّن بإمكان تحقّقه مستقبلاً.
|