د. محمد الجويلي 

 

تعتبر القهوة اليوم أكثر مشروب انتشارا وأهمية، وقد تعددت أنواعها وأصبح لها معجم خاص بها. وينسى البعض أنّ أصل القهوة بتسمياتها العالمية وأنواعها الغربية الأوروبية والأميركية عربيّ وجذورها ضاربة في العروبة. وللقهوة تاريخ عربي عريق قد يصعب تحديد بداية شربها واكتشافها، وتعددت الروايات في ذلك ويذهب أغلبها إلى أنّ اكتشافها يعود إلى أواخر القرن التاسع الهجري الموافق لأواخر القرن الخامس عشر ميلادي على يد الشيخ الصوفي أبي بكر بن عبدالله الشاذلي المعروف بالعيدروس في اليمن. وجد الشيخ الشاذلي في القهوة ضالته من أجل السهر وتنشيط الجسم والذاكرة حتى يسترسل في التعبّد، ثم ما لبث أن جعلها مشروبه المفضل يقدمه لكل مريض قصده طلبا للشفاء ولكل زائر أو مارّ يرحب به ويكرمه على طريقته، حتى صارت القهوة شراب الليل والنهار وزاد الساهر المتعبد، ومن هنا اتخذت القهوة بعدها القدسي وارتقت مكانتها وارتفع شأنها في اليمن موطنها أولا ثم سائر البلاد العربية الأخرى. ومن اليمن انطلقت القهوة وسافرت إلى أرجاء العالم وفي رحلتها الطويلة تعدّدت وتغيّرت وتطوّرت حتى تاهت عن بنّها اليمني الأول وغدت قهوة سريعة سرعة العصر ومتلوّنة تلوّن الأفراد والجماعات، ولكن ككلّ الأصول تظلّ راسخة مهما تعددت الفروع ومتجذّرة في الواقع وفي المخيال الشعبي. وفي اليمن يقع التمييز بين أصناف القهوة وجودتها، فيميز اليمنيون بين القشر والحبّ أو البنّ، فهناك شراب القشر وشراب البنّ، ولكلّ صنف أصول في إعداده ولا بدّ من معرفة عميقة بأسرار القهوة ونكهتها للوصول إلى أجودها. فالقهوة اليمنية ذات البعد الصوفي لا يمكن أن تكون إلا عربية أصيلة راسخة وعريقة ومحفوظة في الذاكرة والوجدان حاضرة حتى وإن غابت لدى البعض من العرب بسبب إكراهات شتى، فلا تزال القهوة العربية تملأ البيوت بعبق رائحتها وفناجينها تمثل جزءا من تراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، بها تحلو الجلسات وحولها تتجمع الحلقات، فهي ترافق الواحد في وحدته فيجالسها وتؤانسه والجماعة في اجتماعهم فتضفي على أنسهم أنسا وبهجة.  وهي ترتبط لدى العرب قديما بالضيافة ومازالت إلى اليوم هذه العادة محفوظة خاصة في الخليج العربي حيث تستقبلك القهوة العربية ممزوجة بنكهة الهيل مرفقة بالتمر كي يؤصّل انتماءها العربي.القهوة عربية الأصل والتسمية والجذر، وقد ذكر ابن منظور في لسان العرب معنى القهوة فأشار إلى أن فعل” أقهى” يعني دام على شرب القهوة، وأن القهوة هي اللبن المحض، وهي الرائحة، والمولّدون يسمّون شراب البنّ بالقهوة وربّما سمّوا البنّ نفسه قهوة، ويطلقون اسم القهوة على الموضع الذي يكثر فيه شربها، ويقال عن القهوة بنت اليمن. يؤكد تعريف ابن منظور للقهوة عربيتها وأصالتها المشتقة من البُنّ أو البَنّ وإن اختلفت طريقة نطقهما فسواء ضُمّت الباء أو فُتحت فهي تضمّ القهوة ورائحتها المتميزة، فالبُنّ وهو حبّ شجر يعمل منه القهوة كما جاء في لسان العرب يصبح قهوة وبَنّة وهي الرائحة الطيبة وتتحوّل الرائحة بفعل الاستعمال إلى المذاق لتداخل الحواس وهو ما تفعله القهوة بشاربها تسيطر عليه الرائحة أولا ثم المذاق. وللقهوة مكانتها المرموقة في التراث العربي خاصة مشرقه وخليجه، وثمّة عادات وأصول في إعدادها وتقديمها وأدوات إعدادها وطهيها تختلف من منطقة إلى أخرى وإن كان الاهتمام بإعداد القهوة منزليا وتخزينها في البيوت بعد تحميسها ورحيها قد تراجع أو كاد يندثر مثل عادات أخرى في العولة التقليدية وأصبح أغلبية الناس يقتنون القهوة بمختلف أنواعها من محلاتها المختصة برحي القهوة وتوزيعها.