صادق كاظم عندما تعرض العراق إلى عدوان عصابات داعش في حزيران من العام 2014 وقف معظم جيران العراق من العرب متفرجين ان لم يكونوا شامتين. كان البعد الطائفي يقف وراء هذا الموقف العربي والخليجي الشامت رغم خطورة الموقف, إذ أن أي خرق داعشي لصحراء النجف وكربلاء كان كافيا ليجعل داعش في عمق الأراضي السعودية والوصول إلى أبواب مكة المكرمة والمدينة المنورة وإعلان عاصمة الخلافة المزعومة منها. لم يثر مشهد اقتراب داعش من بغداد وقتها حماسة أي أمير خليجي ليوجه مدافعه وطائراته لإسناد العراق وجيشه وصد هجوم داعش واسترداد المناطق المحتلة ولولا الحشد الشعبي وحماسة وغيرة أبناء العراق التي قلبت الطاولة على رأس عصابات داعش لكان العراق والمنطقة امام وضع آخر. كانت العقدة الطائفية ولا تزال تتحكم بالعقل السياسي الخليجي في تعامله مع وجود الحشد كقوة كفوءة ومؤهلة استطاعت تغيير معادلة الصراع والحاق الهزيمة بداعش، وهو ما يفسر التصريحات والمواقف المتشنجة التي تصدر عن سياسيين وإعلاميين هناك يتصدرون المشهد الإعلامي بتصريحات نارية ومتشنجة تتطاول على هذه القوة وتشكك بدورها الوطني, بل ان هذا التصعيد اخذ نهجا تدخليا سافرا وخطيرا بالشأن العراقي عبر المطالبة بإلغاء هذه القوة وتسريح أبنائها. هذه المواقف المتشنجة التي تصدرتها السعودية ومن بعدها الإمارات في التعامل الطائفي مع الحشد وتقديمه على انه قوة غير منضبطة تتلقى أوامرها من الخارج فيها الكثير من التجني غير المبرر, بل يقدم خدمة مجانية لعصابات الارهاب ومغازلة صريحة لجمهورها المتعاطف مع داعش الذي تغض السلطات في البلدين النظر عن انشطته السيئة تلك. ان تجريد صفة الولاء والوطنية عن هذه القوة التي قدم ابناؤها الكثير من الدماء والصفحات البطولية، يمثل تراجعا قيميا واخلاقيا لدى المنظومة الطائفية السياسية الخليجية التي تدعم الارهاب في الباطن وتدينه في الظاهر, اذ اننا نعلم جيدا بأن السعودية تعتبر المعقل الرئيس للفكر الوهابي التكفيري المتطرف الذي انتج وقدم لنا هذا الكم الهائل من تنظيمات متطرفة على شاكلة «داعش والنصرة والقاعدة الأم» وعشرات غيرها من منظمات إرهابية لا يحسن أفرادها سوى مهنة قطع الرؤوس وتفجير الأسواق المزدحمة في المدن والقرى بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة, اضافة الى حنفيات دعم بترولي هائل تسمح لها بالبقاء والاستمرار. تتصرف السعودية هذه الايام بشكل هستيري تصعيدي بعد مغامرتها الفاشلة في اليمن وغرقها المتواصل في مستنقعه، وتصرفاتها الطائفية المفتعلة تجاه الحشد ورموزه وقيادته ليست سوى شعور مرير بالخيبة والإحباط بعد تخليها عن سياسة التعقل والحكمة, حين اخذت تستهدف كل عنوان وطني كالحشد الشعبي العراقي والتعامل معه وفق معايير طائفية ليس إلا. السعودية ومن خلفها الإمارات تحاولان تقمص دور البطولة الزائفة وتوهمان أنفسهما بأنهما أصبحتا قوة عظمى في المنطقة يمكن لهما تغيير أوضاعها وجغرافياتها عبر خوض مغامرات عسكرية فاشلة كما يحدث حاليا في اليمن واغرتهما بذلك النجاحات المحدودة التي تحققت في ليبيا والتي تمت تحت مظلة حلف الناتو ودعمه والتي قادت الى سقوط ليبيا في قبضة الارهاب والفوضى, وبالمقابل فإن هاتين الدولتين تعيشان الآن وضعا مهزوزا وانكسارات أطاحت برؤوس المئات من جنودهما في صحاري اليمن وجباله. السباق السعودي الإماراتي إنما يمثل محاولة لتطويع دول المنطقة وإجبارها على الدخول في تحالفات طائفية واصطناع الأعداء بذريعة المحافظة على هوية المنطقة الإسلامية من أخطار ما يسمى بالتشيع الصفوي وهي المفردات التي يستعيرها السعوديون من خزائن الصراع العثماني الفارسي في القرنين السابع عشر والثامن عشر من دون تقدير عواقب هذا الصراع المصطنع على مصير المنطقة وامن شعوبها. ما يتعرض له الحشد من حملة سياسية وإعلامية مدروسة وموجهة من قبل أطراف في الداخل لها ارتباطات معروفة بالمعسكر السياسي السعودي المناوئ والتي تتصرف بطريقة تتعامل معه وكأنه قوة دخيلة على العراق وتقارنه بداعش, بل وتمانع إشراكه في عمليات تحرير المناطق المحتلة في العراق رغم إن هذه القوى والأطراف لا تملك حق الاعتراض والممانعة, بل هو من حق رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة. التصريحات المتشنجة التي تصدر باستمرار من قبل مسؤولين ودبلوماسيين سعوديين وإماراتيين تهاجم الحشد وتعمل على الصاق الطائفية بدوره إنما تمثل طعنا أخلاقيا من الظهر بهذا التشكيل الوطني الذي ترك أفراده خلف ظهورهم بيوتهم وزوجاتهم وأبناءهم ليسكنوا الصحاري والبوادي المكشوفة ويقيموا فيها تحت ظروف مناخية متطرفة من ناحية الحرارة والبرودة في مواجهة اشد العصابات إجراما ووحشية وقساوة في العالم, حيث تمكنوا من مقاتلتها ودحرها والحاق الهزائم بها في ملاحم ستظل حية وشاهدة على بطولات هؤلاء الرجال الذين اندفعوا تلبية لواجب وليس بحثا عن مكاسب ومغانم. الحشد ليس بحاجة الى شهادة حسن سيرة وسلوك من مسؤولين خليجيين يتفرجون على العصابات الارهابية, بل ويدعمون اعمالها وجرائمها سرا من اجل ان تحقق أحلامهم بالسيطرة على المنطقة طائفيا بمفخخات داعش واحزمة مجرميها الانتحارية.
|