نويل لينوار لا يمكن إنكار احتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد عبَّر سياسيون بريطانيون بارزون عن احتقارهم لأوروبا لعدة عقود، ونتيجةً لذلك أصبح التشكك في منطقة اليورو في المملكة المتحدة قويا، وعندما تعقد بريطانيا استفتاءً على عضويتها في الاتحاد الأوروبي في 23 من يونيو، ربما يكون الكثير من الناخبين غير راغبين في التصويت للبقاء. تضافرت عدة عوامل لتجعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ممكنا، أولها صعود الشعبوية، فبعد إبرام المملكة المتحدة معاهدة ماستريخت عام 1992، ترك السياسي البريطاني نايجل فاراج حزب المحافظين، وأسَّس حزب استقلال المملكة المتحدة، ومنذ ذلك الحين جعل مهمته في الحياة هي مغادرة الاتحاد الأوروبي (رغم استفادته القصوى من كل منافع وامتيازات عضوية البرلمان الأوروبي)، وإن فعالية خطابه القومي دليل على أن المملكة المتحدة ليست منيعة ضد الغوغائية الشعبوية.هناك سبب آخر لسيطرة رهاب أوروبا (europhobia) على الروح البريطانية وهو الصحف الشعبية التي يقرؤها ملايين الناس، فقليلون هم من أسهموا في إشعال سُعار معاداة أوروبا قدر ما فعل قُطب المجال الإعلامي الأسترالي-الأميركي الفاحش الثراء روبرت مردوخ، ومالك عدة صحف وأهم المحطات التلفزيونية الإخبارية الخاصة في المملكة المتحدة. وصف وزير الدولة السابق للشؤون الأوروبية دينيس ماكشين في كتابه How Britain Will Leave Europe كيف فكر رئيس الوزراء السابق توني بلير في عقد استفتاء على تبنّي اليورو، فقط كي ينصرف عن الخطة خوفاً من أن يستخدم (شخص روبرت مردوخ الغامض) إمبراطوريته الإعلامية لشنّ حملة ضد الاستفتاء.وأخيرا، فإن أزمة الهجرة التاريخية في أوروبا لا تساعد أولئك الذين يحاولون الدفاع عن الاتحاد الأوروبي، فقد سارع فاراج بالتحذير من “أن أزمة الهجرة التي نمر بها ستسوء” إذا ظلت المملكة المتحدة عضواً في الاتحاد، كما قال أيضاً إن الشعب البريطاني سيكون أكثر عرضة للهجمات الإرهابية إذا لم “تغادر المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي وتستعيد السيطرة على حدودنا”. (ستُعجب فرنسا، التي تكافح حالياً من أجل القيام بدور المملكة المتحدة في السيطرة على الحدود في مدينة كاليه، بهذا الجانب من مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). بطبيعة الحال، كان كثيرون في المملكة المتحدة متشككين في أوروبا منذ طرح فكرة التوحيد في خمسينيات القرن الماضي لأول مرة، ولكن يتغاضى أولئك الذين يناصرون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن حقيقة تحول أوروبا إلى سوق حرة مفتوحة حقا، وهو شيء لطالما أرادته المملكة المتحدة، وعن حقيقة أن المملكة المتحدة كانت إحدى الدول الأعضاء القليلة في الاتحاد الأوروبي التي لم تقيد دخول العمال بعد توسع الاتحاد الأوروبي شرقاً عام 2004. يتوقف الكثير على قدرة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون على إقناع الناخبين بأن البقاء في الاتحاد الأوروبي يستحق العناء، كان أكثر الامتيازات التي استطاع الحصول عليها في المفاوضات مع الدول الأعضاء السبع والعشرين الأخرى وضوحاً هو الاتفاق على تقييد حصول المواطنين المقيمين في دولة أخرى غير دولتهم على المنافع الاجتماعية. كما اتفق أيضاً على معاهدة عدم الاعتداء مع منطقة اليورو، وهي تنص على احترام “حقوق الدول الأعضاء غير المشارِكة وصلاحياتها” في مقابل وعد بريطاني بعدم معارضة تعميق الاتحاد النقدي والاقتصادي. إذا اختار الناخبون المغادرة، فقد تستغرق المفاوضات على شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سنوات. وتظل مسألة إمكانية احتفاظ المملكة المتحدة بحقها في الوصول إلى السوق الأوروبية، التي شكَّلت 45% من صادراتها و53% من وارداتها في عام 2014، غير محسومة. وإذا وجد القطاع المالي البريطاني قدرته على الوصول إلى الاتحاد الأوروبي مقيدة فقد يتدهور وضع مدينة لندن بوصفها مركزاً مالياً عالميا، وبالفعل أعلن دوغلاس فلينت، مدير بنك HSBC، الدائن الأكبر لأوروبا، أن البنك يحتفظ بحقه “في نقل الموظفين بين لندن وباريس”. في خطبة شهيرة ألقاها وينستون تشرشل عام 1946 في جامعة زيوريخ، دعا إلى خلق “الولايات المتحدة الأوروبية”، ولكن دون المملكة المتحدة، وقال: “على فرنسا وألمانيا تولِّي القيادة سوياً في هذا العمل المُلح، أمَّا بريطانيا العظمى، والكومنولث البريطاني وأميركا القوية (والاتحاد السوفياتي) فعليهم أن يكونوا أصدقاء أوروبا الجديدة وداعميها، وعليهم حماية حقها في الحياة”. والمملكة المتحدة اليوم أبعد ما تكون عن حماية حق أوروبا في الحياة، بل تعرضها للخطر، وبذلك فهي تعرض اقتصادها نفسه لخطر أكبر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية، وفي حين تواجه القارة أصعب التحديات التي شهدتها عبر عدة أجيال، فإن أوروبا ولا المملكة المتحدة لا تملكان تَرَف تَحَمُّل مثل هذا التشتت الانهزامي.
|