السوداني: الحكومة ماضية وفق خطة لحصر السلاح بيد الدولة قدراتنا الأمنية عالية ولا يوجد تهديد إرهابي AlmustakbalPaper.net المفوضية: البطاقة البايومترية محصنة إلكترونيا وتستخدم من قبل صاحبها حصرا AlmustakbalPaper.net القاضي زيدان يبحث مع رئيس وأعضاء جمعية القضاء عدداً من القضايا AlmustakbalPaper.net بارزاني والأعرجي يتفقان على أهمية حل القضايا الخلافية بين أربيل وبغداد وفق الدستور AlmustakbalPaper.net النزاهة تتفق مع الإنتربول على الوصول المباشر لمنظومة المطلوبين AlmustakbalPaper.net
قبلة لنعش
قبلة لنعش
أضيف بواسـطة
أضف تقييـم
أنوار الانوار

طفلةً كنتُ يوم بيمينه ضمّني أبي، وراح بيساره يشير إلى السماء قائلا :’وحدها النجوم يا صغيرتي مسكنُها العُلا’ فلا تقبلي بأقلّ منها، قبل أن ينبّهني إلى سبع نجماتٍ سُمّين بنات نعشٍ و يحكيَ لي أسطورةً روَت أنّ سهيلا قتل نعشًا، وأنّ بناتِ نعشٍ وفاءً وإخلاصًا- أقسمن ألا يدفنّه قبل أن يثأرن له، فحملنه ورُحن يجرين في السماء يطاردن سهيلًا. منذ فجر التاريخ قال، لم تهدأ إحداهنّ ولم تستكِن… ومنذ ذاك الفجر لم تفارق بناتُ نعش سمائي، حتى كانت الحكاية..
في روحك جنّتي يا جنّةَ الله التي هبطَت مع عبادِه، إذ قال اهبطوا منها جميعاً، ثمّ عاد فأشفق ورحِم، وأهبطَها لهم ها هنا، فكنتَ أنت، وكان النورُ الذي فيك تجلّى وكان الكبرياءُ الذي فيك تجسّد، فكنتُ أنا العابدة . ذاك أني متُّ وحيدةً يا حبيبي. بقيتُ أياماً مكدّسةً على درب الموت دونما جسرٍ يأخذني إلى برزخي. جفّ الدم على جثّتي فتيبّس، ولم يغسله أحد..ما كان مَن عبث في أوراقي، ولا مَن رثاني.. غير أنّ أقسى ما في الأمر أن الملكين غابا يا حبيبي.. لا استقبلاني ولا باغتاني. ذقتُ نكهاتٍ للموت، وعاشرت أشكاله روحي. لم يكن ثمة ألوانٌ ولا أشكال، لم تكن ثمة دموعٌ ولا صرخات، لا ابتسامات ولا ضحكات، وحده صوت الله كان يرجّ المكان فيما بياضُك لفّني حدّ الغرق، لأذوق معنى الحياة من عمق الممات. لملمتَ خيوطي ورحتَ ترتق ترتق، وتنفخ في جمري نورًا يطفئ النيران ولا يخفي الوهج. وشوشتني :’لا تخافي شيئًا يا صغيرتي، إنكِ في عالم النور ‘.. ورحتَ تحكي لي عن الجمال لأنسى كلَّ ما كان ولا أذكر إلا أنك وحدك من لقيتك هناك.. 
يومها، ولم أكن بعدُ قد اكتشفتُ كم أنت أنا، سمعتَني أنشج في حلمي رغم بُعدك، حين استيقظتُ وجدتُ دموعك فوق وسادتي تبللها وتفيض.. وسمعتك تهمس ناشجًا: ‘قل الروحُ من أمر ربي’.. كنتُ أتلعثم مشدوهةً إذ أرى كيف خانت نعشًا بناتُه. فيضان عتمةٍ أمطر من السماء فاسودّ به الكون، إني رأيتُهنّ يلقين بنعشٍ أرضاً ويجرين يراقصن سهيلاً بمجون.. كانت السماءُ تهتزّ من دبكاتهنّ، والأرض ارتجّت من سقوط التابوت، تشظّت جثّة نعشٍ فغطّانا الدودُ والنملُ، وحشراتٌ لم أعرفها، ورائحةُ نتانةٍ زكمت الأنوف.. كان الكلّ يبكي الدّمسَ ويصرخ شاهقاً من الاختناق.. فيما ظلّت بناتُ نعشٍ يراقصن سهيلاً ، غيرَ آبهاتٍ بكل الصعقات..
مكوَّرةً بقيتُ في ركنٍ تخنقني روائحُ الوحل والتعفن، نفضتُ رأسي أبحث عن نقطة هواءٍ نقيٍّ فانتفضَ على وجنتيّ ما تدلّق من طينٍ من شعري الذي تقمَّل. مصعوقةً صرختُ أستجدي الهواءَ فاندفق إلى جوفي غبارٌ ورماد. نفضتُ بأصابع كفّيّ ما استطعتُ لعلّي أطرد عنّي كلّ هذا الذي يثقلني، صارت أصابعي تتناسل ديدانًا وبراغيث تتدفّق مني فيصطبغ بها المكان من جديد.. متخمةً ممّا ابتلعتُ من الصراخ الملوَّث انطلقتُ أحاول الجري فتمزَّقتُ..
تناثرَت شظاياي محمّلةً بالعالق بها. وحده قلبي انفلت مني وطار. كان يغني بموّالٍ حزين فيما يحاول أن يتخلص من الشظايا:
لا صدرَ تلقي فوقه برأسك أيها الوحيد..
لا ذراعَ يضمّ شظاياك..
لا قلبَ يلملم حزنَك..
لا عينَ تنسابُ منها دمعةٌ لأجلك.. 
هو الأمل فقط .. الأملُ بأنّ سقوطَهم جميعًا منك
يظلّ أصدقَ وأنقى وأبقى من حملك لهم ثِقلاً من فراغ.
تجليتَ لي، ورحتَ تجمع قلبي بين أناملك، مستغنيًا عن كل الشوائب لتحيكني حياةً جديدة .. فاض دم قلبي على كفّيك راسمًا خطوطًا لم تزعجك أبدًا.. همستَ له بهدوء ووقار وحبّ أبٍ حانٍ تقول :. 
منذ الآن ستذوق نكهة الاستغناء حقا.. لن تبكيَ بعدُ، فقد استنفدتَ على مدى طريق التمزق قدرتَك على البكاء، وجفّت حدَّ التصحُّر ينابيعُ دمعك.. لن تتألّم أيضاً فقد أدمنَت الرّوحُ تحطُّمَ صوَرهم فيك. فقط حلّق خفيفًا بصمت. واعترف لنفسك بأنّك أدركتَ الحقيقةَ بدمك : على الشرّ يولد الإنسان، بالطمع يُجبَل، بنهر الخيانة يتعمّد.. ووحدهم الذين يسكنهم الله يسعَون إلى سلّم الارتقاء. سترتفع الآن بخفّةٍ نحو سماوات روحك، نقيًّا من شوائب كلّ مَن سقطوا منك، وحيدًا إلا من إلهك الذي حملتَ فيك. وحدهم الأغنياء من مسيرة تمزّق أخرى ستجدهم هناك، أولئك الذين لم يهجر الله عوالمَ أرواحهم المنهوشة، فاستغنوا..
وراح لقلبي ينبت زغبٌ جديد.. أردت أن أقول أي شيء فاختنقت عباراتي.. كانت المعاني أعظم من أن تقال..ليس الحبّ الكبير إلا ذاك الذي نعرفه بعد الموت الكبير. ووحده من يملك أن يصل قلبنا آنذاك هو الحبيب.. أأقول الحبّ خلقٌ جديد؟ يمّحي المُحبّ ويتناثر غبارًا فيعيد الحبيب تشكيله روحًا صافيةً نقيةً من كلّ سواد، يتشظّى العاشق فيعيد المعشوق نسجه أملًا سويًّا.. يتبعثر فيلملم صفاءه فقط، ثمّ ينفخ فيه نور الله ليتجلى بياضًا وتحليقًا.. كلّ الحروف تسقط مبعثرةً كعقد لآلئ انفرطت حبّاته..والكلام يفرّ هارباً كمن لم يجد ما يليق يقدّمه، فيما المعاني تظلّ تنتظر أن تجد ما يتّسع لها: لا الشغفُ يكفي وصفا، ولا الحبّ ولا الصلاة. إنه العشقُ الحقُّ أكبر من كل العبارات.. 
وصارت تخافك السحابات السود، يخشاك الليل الحالك، إذ كلما حاولوا الاقتراب مني جعلتني أرى الكون نورا بهاء وصفاء، فهربوا.
رفعتُ عينيّ إلى السماء بعدما صرت أراها أقرب وأصفى.. كان القمر يشبهك إذ يطلّ شامخًا وخجولًا في آن..لا تسألني كيف السماءُ بدَت عاريةً هذي المرة من النجمات.. وأنت الذي أغويتَها جميعاً فجرَت خلف نورك تشتهيه….كان السؤال بنا يليق: كيف القمرُ لا ينكسر غرورُه إذ يبقى وحيدا في السماء ويسمع همساتِهنّ من بين لهاث الشوق إليك، بأنّ مَن عرف النبعَ حقّاً لا بدّ يهجرُ المصبّات؟
*كاتبة فلسطينية من الجليل
(من مخطوط: رسائل آن لها أن تُفتح).

رابط المحتـوى
http://almustakbalpaper.net/content.php?id=15728
عدد المشـاهدات 575   تاريخ الإضافـة 12/03/2016 - 20:23   آخـر تحديـث 12/07/2025 - 04:21   رقم المحتـوى 15728
محتـويات مشـابهة
المحكمة الاتحادية: لن نتدخل في الصراعات السياسية الخاصة بالانتخابات المقبلة
رئيس الجمهورية يدعو القوى السياسية للمشاركة في الانتخابات المقبلة
المفوضية توضح بشأن تصويت النازحين وناخبي سنجار في الانتخابات المقبلة
ترامب يحذر نتنياهو: يمكن التوصل إلى اتفاق مع إيران خلال الأسابيع المقبلة
الانتخابات المقبلة... رياح التغيير أم أستمرارية الواقع

العراق - بغداد - عنوان المستقبل

almustakball@yahoo.com

الإدارة ‎07709670606
الإعلانات 07706942363

جميـع الحقوق محفوظـة © www.AlmustakbalPaper.net 2014 الرئيسية | من نحن | إرسال طلب | خريطة الموقع | إتصل بنا