بقلم: صابرين فرعون
تُعزى اللغة التي تنم عن طبيعة العلاقة بين المنطقة الجغرافية للكاتب وطريقة تواصله مع مجتمعه والنوافذ الثقافية المطلة على مجتمعاتنا العربية عن شكل الحياة وطبيعة التأثر بمتغيرات المناخ والنشاط السكاني الذي يُحيي المنطقة، فنرى في البادية والصحراء مثلاً نوعاً من القساوة والصلابة في التعاملات اليومية والتواصل مع الآخرين كما نجد على صعيد الفرد الواحد أن ذاته تمتلئ بالبساطة والرومانسية وتحمل النفس في طياتها مزيجاً من الطمأنينة التي يشوبها الحذر من الساكن والمتحرك.. المتن السردي في الأدب المغربي خير مثال على ولوج كينونة الكاتبة من خلال الانعكاسات الثقافية المنبثقة من الدوال اللغوية والجماليات الأدبية وأيدلوجية الوطن، كلها تجتمع لتدل على بصمة هوية وتجليات للذات والمجموع.. في روايتها “أماكن ملغومة” تقوم الكاتبة البتول المحجوب بالاشتغال على المنحى العاطفي للرسائل الذاتية بين خوسيه الأندلسي “يوسف” ومريم الصحراوية، في مقابلة وتماثل لصوت الذات المُعذَبة في الغياب، وتتقاطع مكانياً في تشابه كاريزما وحياة الشخصيات التي اختارت لها حيزاً مكانياً بين مدينة الخليل في فلسطين والصحراء المغربية على امتدادها.. يجيء المتن السردي مشهدياً وهو يعبر عن التساؤلات وصورة الآخر بصوت الأنا وأناه، فقد تمازج صوت الكاتبة وشخصياتها، فمريم امتداد البتول في المتخيل النصي والبتول واقع مريم وشموخ الأنثى فيها، وذلك التحليل يُعزى للتناغم الوجداني الذي سيّر الأحداث من البداية وحتى النهاية المشوقة التي صرحت فيها البتول أنها شاهدة على رسائل عاشقين تاركةً حيزاً للقارئ لمشاركتها بإجابة عن سؤالها “أفتوني في أمري، هل أبعثها، أم أحتفظ بسرّ رسائلها إلى أن يحين البوح يوما؟!”، كما أنها اجتهدت على اختيار أسماء شخصياتها بعناية، عاكسة رؤية جديدة لمريم ويوسف الشريك وليس الابن، العلاقة الروحية التي تجمع محبين كلٌ منهما في وطن وغربة، يحمل الآخر كما تحمل الأم وليدها وتنجبه من قلبها، ذلك القلب يصير رحماً يخبر رحلة الحمل الثقيل وكلٌ ينتظر لقاء قريب يحقق ولادةً مكتملة للحًب في زمن الأسر والقتل والأسر.. هواجس ونفسية الكاتبة تظهر في الكتابة الوجدانية التي خطتها بحبر القلب وعكست فيها رسائل الطفلة التي كبرت وهي تؤمن أن لا صوت يعلو أو يخنق آهة تند عن أنثى عاشقة للحرية والتراب يغتالها أعداء الأدب والفن.. في طرحها، الوطن والأرض والتراب، أحجية ثلاثية الأطراف، يدميها الفعل الإنساني والدم، الأماكن ملغومة تستهلك من أرواحنا عشقاً خالداً لا ينتهي، وتسرق من أعمارنا أحبابنا الذين اعتمدت الرمز والتلميح في تشكيلهم من واقعنا “محمد الشيخ، شيخ الصحراء، الطفل أحمد”، وصوت المكان وما يطرأ عليه من خيام ولجوء وألغام، يشد أواصرنا ويعتصر خيباتنا الجمعية التي تتركنا في ضياع وقطيعة وفرقة.. لغة السرد في رواية “أماكن ملغومة” جاءت سهلة في صورتها المباشرة، حيث تنضوي على معانٍ إنسانية تدعو للتفكر في المحسوس وليس المادي، لأنه رحلة قد تمتد عمراً بعكس الماديات التي تفنى ولا يبقى منها غير الذكريات.. البتول المحجوب لمديميغ أديبة مغربية، باحثة دراسات عليا في جامعة ابن طفيل في موضوع “التواصل وتحليل الخطاب”، صدر لها: مجموعات قصصية “مرثية رجل”، “أيام معتمة”، روايات “وجع جنوبي”، “أماكن ملغومة” عن دار فضاءات للنشر والتوزيع..
|