جمال جاسم أمين (1) كي لا نقع في فخ (العبودية المختارة) كما أسماها (دي لابواسييه) قبل ما يقرب من خمسة قرون او الانصياع كليا لثقافة النمط والعادة لا بد من التفكير جديا بالفواعل الحقيقية للاستبداد ومتابعة جذوره ومنابعه بغية تجفيفه خاصة ونحن على اعتاب القرن الحادي والعشرين، قرن التحولات المعرفية الهائلة والكشوفات التي لا توجد إلا في الخيال. من المؤسف حقا ان شعوب المنطقة او ما يسمى سياسيا الشرق الاوسط الكبير ما زالت تلوك الاسئلة ذاتها بعد ان قطعت البشرية شوطا وتجاوزت مثل هذه الهموم التقليدية والمشكلات التي عفا عليها الزمن كما يقال بل اصبحت من أثريات القرون الوسطى فلا تذكر او تستحضر إلا في سياق التاريخ او الارخنة لمراحل التطور البشري، شيء من الماضي لم يعد يشغل مكانا في ساحة الحاضر المزدحمة والمكتظة بأسئلة وتحديات جديدة أقل ما يقال عنها انها لامعة ومتقدمة حد اللاحد. ما يؤسف له حقا ان يسقط المستبد بحكم عوامل شتى ولا يسقط الاستبداد! حتى كأن هذا المستبد لم يكن سوى تحصيل حاصل ثقافة الجماعة او رؤيتها عن نفسها والعالم من حولها. لم تكن الحرية مطلبا جوهريا او حلما يسعى الجميع له. الكلمات وحدها لا تكفي بل الممارسة هي الاهم. ثمة إعادة انتاج مقصودة او غير مقصودة بل هناك فواعل خفيفة لتدوير ماكنة الاعادة هذه، ربما مقولات تأخذ شكل حكم وأمثال تجري على ألسنتنا مجرى البداهة دون ان ندقق فيها فيكون الكسل فضيلة! والتقاعس عن تمثيل الذات عافية وسلامة!. الحرية تدعوك للخروج من التقليدي نحو الجديد، وكثير من الناس يرى في مثل هذا الخروج نوعا من انواع المجازفة، متاهة بلا دليل! يعتقد هذا النفر ان الامان في السكون واجترار ما جرب الآباء والاجداد. الجديد مسؤولية مضافة على عاتق الاحرار التواقين لصناعة لحظة الراهن بدلا عن اجترارها او استنساخها كما يحدث اليوم. للتدقيق بهذه المساءلة لا بد من التذكير بأن فواعل الاستبداد ثقافية اجتماعية اولا وليست سياسية، بل اننا نعتقد ان الاستبداد السياسي هو المظهر وليس الجوهر، هو النتيجة الطافية على السطح وليس الغاطس الذي يغذّي ويديم، هنا ينبغي التفكير جديا بتفكيك هذه الفواعل وضمن برامج تنمية معدة لهذا الغرض، بمعنى ان الحرية للجماعة لا تتحقق بمجرد سقوط حكامهم المستبدين بل لا بد من مساحة وعي عريض يمنع اعادة انتاج التجربة المرة التي دفعوا ثمنها غاليا، وعلى هذا الصعيد يتحدث بعض المفكرين عن جغرافيا للاستبداد، بمعنى انه متعلق بمكان دون مكان وهذا نوع من انواع (الميتافيزيقا) اذا صح القول او القدرية اللاموضوعية. نحن نعتقد ان الاستبداد نتاج ظروف وثقافات خاطئة وحالما تتغير هذه الظروف/ المقدمات تتغير النتائج، فلا جماعة في الارض مصيرها ان تظل عبيدا الى الابد! ولا مكان يصلح للحرية وآخر لا يصلح، بدليل ان الاستبداد السائد في الشرق كان قد ساد من قبل في اوروبا القرون الوسطى، ما يعني ان اعادة المساءلة وتفكيك المقولات القارة خطوة اولى من خطوات التنوير والتغيير المضاد بالضرورة لكل وعي تالف او قاصر. هناك من ينزل الاوهام منزلة الحقائق ربما بقصد التمويه والتعمية ولعلنا نذكر جميعا ما سعى لتكريسه المستشرقون من رؤى ثبت فيما بعد انها لا تخلو من تضمينات سياسية اصبحت الآن نصائح يسترشد بها الساسة الغربيون للتعامل مع شعوب المنطقة وهذا ما فصلناه في اكثر من موضع. (2) السؤال الذي يتكرر غالبا عن الخطوة الاولى هو: من أين نبدأ وكيف؟. لا اظن اننا سنختلف كثيرا على حقيقة ان اصلاح التعليم هو المطلب الاول على هذا الصعيد خاصة واننا نؤمن بأن الاستبداد ناتج عن تشوه فكري قار، وثقافة تالفة تعيق الانسان عن الاخذ بزمام المبادرة. الاستبداد نتاج اجوبة جاهزة تدمغ بلاغة السؤال! بل ان هذه الاجوبة غالبا ما تشيع بين الناس اوهاما قاتلة من قبيل خدعة ان (القفص) هو الفضاء ولا ارحب منه. الخطر في الخروج، في الطيران وتجريب الاجنحة النائمة!. على التعليم كي يصبح ورشة حرية ان لا يكتفي بالتلقين بل عليه ان يمرن الدارسين على اهمية التفكر والتساؤل الجاد لا الاكتفاء بالوصف ولا شيء غيره، علينا ان لا ننسى هنا ان تجارب كثيرة سبقتنا كان تحسين التعليم طريقها الامثل نحو النهوض والانتقال حضاريا من حالة الى حالة. في العراق اليوم هناك حاجة ملحة لمثل هذه المكاشفات بل نحتاج ورشا متخصصة وعملا ميداني ينتقل بجهدنا من التنظير الى الاجراء واعتبار الواقع هو المعيار لوصف التجارب التي نقيمها بالفشل او النجاح، هذا ما نتوخاه فعلا وما نأمله.
|