ليونيد بيرشيدسكي لا يكاد المترشحون للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يتطرقون في أحاديثهم ونقاشاتها لأوروبا إلا لماماً. وهم لا يذكرونها إلا في إطار زيادة رصيدهم السياسي عندما يتحدثون عن الأخطار الكامنة في تنظيم «داعش» الإرهابي أو حول مشاكل الهجرة. إلا أن إسقاط الطرف الآخر من التكتل السياسي الشهير الذي يعرف باسم «الغرب» يُعتبر خطأ فادحاً. وحتى عندما يتطرق مرشح ما للدول الأوروبية في سياق الحملة الانتخابية، فإنه يمر على ذكرها مرور الكرام. ولقد نطقت هيلاري كلينتون بجملة تؤكد هذا الإهمال عندما قالت: «إن الصين وألمانيا والولايات المتحدة فقط هي الدول التي تحتكر القدرة المستدامة علي التحكم بالعالم في المستقبل». وقال منافسها عن الحزب «الديمقراطي» على التسمية الانتخابية «بيرني ساندرز» إن ألمانيا هي الدولة المتطورة الوحيدة التي تقدم التعليم الجامعي المجاني لمواطنيها، وهي مبادرة يمكن اعتمادها في الولايات المتحدة. وأشار المرشح «الجمهوري» المثير للجدل «دونالد ترامب» إلى أن فرنسا تحتكم إلى «أكثر قوانين العالم صرامة في منع حمل الأسلحة الفردية»، ولكنها سجلت فشلاُ ذريعاً في التصدي للهجوم الإرهابي الذي تعرضت باريس العام الماضي. وفضّل أن يطلق على مدينة بروكسل اسم «حفرة جهنم» بسبب ارتفاع عدد المهاجرين فيها. ولقد تجاوز كل هذه التوصيفات الجارحة عندما قال إن «باريس لم تعد كما كانت»، وأن رجال الشرطة في لندن يخافون من المسلمين المتطرفين. نحن نعلم جيداً أن الخطاب الانتخابي هو بالدرجة الأولى قضية محلية، إلا أن من الخطأ الجسيم الافتراض بأن السياسة الخارجية لا تشكل أهمية في المناظرات الانتخابية الرئاسية لعام 2016. وأحد أهم الأسباب التي تؤيد ذلك هو احتكام العديد من المرشحين لمعارف متواضعة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ومن أشهرهم «ساندرز»، وخاصة إذا ما قورنت معارفه تلك بتلك التي تحتكم إليها وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ولا يجوز خوض مجموعة مترشحين لنقاش انتخابي من دون أن يتطرق أي منهم للقضايا الدولية. ويقع على رأس تلك القضايا الخطر الكامن في تنظيم «داعش» الإرهابي، يليه في الخطورة السلوك الاستفزازي والعدواني لإيران. ولقد أعلن معظم المترشحين المنتمين إلى الخط المتشدد في الحزب الجمهوري رفضهم القاطع للاتفاقية التي توصلت إليها إدارة الرئيس أوباما مع إيران بشأن برنامجها النووي وطالبوا باتخاذ موقف أكثر صلابة من إيران. وعبر السيناتور عن ولاية تكساس «تيد كروز» عن هذا الموقف عندما قال: «إذا قال لك بعض الناس بأنهم يريدون قتلك، فأنا أنصحك بأن تصدقهم». ومن مشاكل العالم الأخرى التي لا تلقَ ما تستحقه من اهتمام المترشحين: استفزازات كوريا الشمالية وبرنامجها النووي، والخطر الكامن في السياسة الروسية بعد أن اتضح السلوك التصعيدي للرئيس فلاديمير بوتين في أوكرانيا واستماتته في دعم بشار الأسد.وحذّر بعض المرشحين، وخاصة منهم «ترامب»، من أن الصين يمكن أن تمثل دور المنافس القوي للولايات المتحدة وخاصة بعد أن أصبح موقفها في المفاوضات الاقتصادية العالمية أقوى من موقف الولايات المتحدة.وبشكل عام، لم تعد أوضاع أوروبا والعلاقة معها تشكل موضوعاً يستحق التطرق إليه في مناظرات المرشحين. ويتفق هؤلاء على ضرورة الابتعاد عن الموضوع بحيث يتكفل الأوروبيون بانتزاع أشواكهم بأيديهم. وفيما يتعلق بالقضية الأوكرانية، قال «ترامب» إنها قضية أوروبية بحتة. وكان لحاكم ولاية أوهايو المرشح «جون كاسيتش» موقف مماثل من قضية اللاجئين إلى أوروبا. والمرشح الوحيد الذي آثر القيام بزيارة إلى أوروبا قبل انطلاق انتخابات تسمية المرشحين للرئاسة هو «جيب بوش» الذي فشل في استفزاز مشاعر مستمعيه لتأييد سياساته بخلاف باراك أوباما الذي قام بزيارة ناجحة إلى أوروبا قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2008، وصفت بأنها «جولة ظافرة».وتحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة أوروبية قوية، وينبغي عليها أن تستخدم قدراتها الفعالة لإقناع البريطانيين بالانخراط بشكل أعمق في صلب الاتحاد الأوروبي بدلاً من التفكير بالانسحاب منه. ومن المؤكد أن الرفض البريطاني للبقاء في الاتحاد يشكل تهديداً خطيراً للاستقرار الأوروبي. ومن المعروف أيضاً أن عدم استقرار أوروبا لا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال. وليس من مصلحة الولايات المتحدة أيضاً أن تفشل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في حل مشكلة اللاجئين الذين يتدفقون عليها وبحيث تتشارك بلدان الاتحاد الأوروبي في استضافتهم.وخلاصة القول أن نجاح مشروع التكامل الأوروبي هو أمر أساسي لاستدامة السلام والأمن في العالم الغربي الذي تدعي الولايات المتحدة قيادتها له.
|