نوزاد حسن تمنيت لو ان علي الوردي عالم اجتماعنا الكبير كان حيا في هذه الايام ليقول رأيه في كل ما يحصل. ولعل اكثر شيء سيثير اهتمامه هو هذه الدعوات التي قدمتها جهات مختلفة من اجل إنشاء حكومة تكنوقراط تكون بديلا لهذه الحكومة. بلا شك سيكون حديث الوردي واضحا ودقيقا, وسيعيد ما قاله عن معركة الفقهاء والمتكلمين عن صفات الحاكم العادل، وما يجب ان يتصف به من قيم نبيلة دون الانتباه الى الواقع, وما فيه من مشاكل وتعقيدات. لن يكون جواب الوردي مشجعا او متفائلا بخصوص ما يتعلق بكل ما قيل عن تقديم افكار تقدمية لتغيير اعضاء هذه الحكومة بحكومة اخرى, لأن القضية كما يراها عالم اجتماعنا لا تتعلق بعظمة الافكار او بساطتها, ولكن بعدم واقعيتها ومثاليتها. لكن لنترك علي الوردي الآن ولننظر قليلا في هذا التدفق الاصلاحي الذي تفجر في مياه السياسة الراكد، فالعبادي دعا الى تغيير على المستوى الوزاري سيشمل الوزراء غير الفاعلين. ولا اعتقد ان هذه المهمة سهلة فالوزراء جميعا جاؤوا الى دنيا الوزارة بعملية محاصصة متفق عليها، لذا لن يكون سهلا على العبادي تنفيذ هذه الخطوة الاصعب في مشروعه. يقابل طموح رئيس الوزراء مشروع معين دعا الرئيس فؤاد معصوم للقيام بدوره, ودعا كذلك الجماهير الى تبني مشروعها لإنقاذ العملية السياسية ودفعها للامام. كما قدم طيف من القوى السنية (عذرا لهذا اللفظ) نموذجه لصناعة حكومة عادلة تنظر الى العراقيين جميعا بعين العدل. في الواقع كل هذه الدعوات لا تختلف عن النقاشات القديمة التي كانت تبحث عن رجل عادل يقدم للناس حكما رشيدا لا يظلم فيه احد. نعم كل هذه الافكار رائعة, وجميلة لكن كيف يمكن ان تنجح في بيئة قاسية مليئة بالاهواء, وفي أرض محتلة من قبل داعش. والاخطر من كل ما قلت هو القناعة السائدة بأن حياة اللصوص غير معرضة للخطر، وهذا ما يجعل اسلوب الحكم مرتبكا جدا ولا هوية واضحة له. اظن ان اية حكومة حقيقية لا تنبثق من افكار على الورق كما لو كنا نرسم تصميما لعمارة او بناية. كل ما سمعته من افكار لا يختلف عن هدف الخريطة الجاهزة للتطبيق، لكن اية بناية مهما كانت صغيرة لا يمكن تشييدها دون ان تسبقها خطوات متعددة قبل الشروع في البناء. ليس لأني متأثر بعلي الوردي أرى في كل هذه المحاولات مجرد افكار لا تقدم حلا على ارض الواقع. المسألة اكبر من هذا, لأن التحدي اكبر واعقد مما يظن البعض. ثم ماذا يعني تقديم وزراء جدد بمكان الوزراء الحاليين؟، يعني ببساطة ان المشكلة في الطبقة السياسية او اسماء محددة من هذه الطبقة، وهذا كما اعتقد هو قمة المثالية او الرومانسية السياسية. إذن البحث يجري الآن عن اسماء جديدة يسوعية الاهداف والنقاء, وترتبط مع بعضها بحب الوطن, والاعتراف بالآخر، وهو أهم ما ما يشغل السياسيين الحالمين بعيدا عنا.
|