د. سعد العبيدي انها حقاً ليست المرة الاولى التي يكتشف فيها المسؤولون في السياسة العراقية أن التركيبة التي جاؤوا بها وأنتجوها بأنفسهم لإدارة شؤون الدولة هي بحاجة الى الاصلاح لأنها غير صحيحة٬ ولا تلبي حاجة المواطن لأن يعيش برضا وقدر من الرفاه٬ ولا تلبي حاجة البلاد لأن تستقر٬ كي تبني نفسها وتجاري العالم الذي يعيد بناء نفسه يومياً، فمنذ أكثر من سنة بات الكلام جهراً عن الاصلاح، والاصلاح في السياسة بطبيعة الحال هو تجاوز لخطأ حاصل في بنية الادارة العامة للدولة والمجتمع. لكن أهل الشأن من السياسيين المشاركين في ادارة الدولة والحكم لم يبادروا بخطوات الاصلاح٬ وهرول غالبيتهم الى الامام باتجاه تسطير الكلام وصياغة عبارات اليجب والينبغي٬ حتى وصل الحال الى حافات الانهيار عندما اكتشفوا ان وضع الاقتصاد صعب وان المدخولات لا تسد ابسط حاجات العيش الكفيف. انهم في الواقع لم يصلحوا لأنهم طرف في الخطأ٬ كل منهم أراد تطبيق نظريته في الادارة٬ نظرية جاء بها من عنده ومن مداركه البسيطة أو من حزب لا يمتلك خبرة٬ وظن بأنها هي الحل. وآخر يريد العودة الى صيغ الماضي للتعامل مع الحاضر وبدلا من أن يجتهد الى حل مشاكل انسان الحاضر مثلا اتجه لمنع الموسيقى. وسار ثالث لبناء جوامع وتخصيص الملايين لتدريس شؤون الدين فقط٬ وترك المدارس وباقي العلوم والمستشفيات والمسارح ودور السينما وغيرها، وهكذا وضعت غالبية الكتل المسؤولة نفسها وجل الشعب العراقي في زاوية الحصر النفسي٬ ابتعدوا فيها عن العالم والحضارة وكأنهم في واحة عيش معزولة هي السبيل لدخولهم الجنة. من هذا وغيره لا بد أن يكون الاصلاح شاملا٬ ولا بد من الاعتراف قبل أية خطوة اصلاح من أن النظام القائم خطأ٬ وان الدستور الحاصل قاصر٬ وأن الحكم من منابر الكتل دون النظر الى العالم وحاجة الجمهور يعد تجنيا، وان مسؤولية التدهور لا بد وأن يتحملها المشاركون جميعاً في الحكم، وأن يتوقفوا جميعا عن التنظير وعن إبقاء العراق واحة في صحراء٬ وأن يتعلموا من أن السلوك المجتمعي لكي يتكامل بشكل صحيح ويكون في مجاله الانسان منتجا وسليما نفسياً وراضيا عن الحال في عالم تسيطر عليه تكنلوجيا المعلومات الغربية٬ فانه لا بد وأن تكون فيه الحرية الفردية قائمة٬ وأن يترك رواد السينما والمسرح على هواهم٬ ويستمر الأدب في سبيله غير مقيد٬ وأن تكون هناك نواد تقدم ما يشبع رغبات روادها دون مداهمة مسؤول حرم من عنده نوع أكل أو شرب ما، وأن يترك الناس ليمارسوا عباداتهم بطرقهم الخاصة٬ وليحتفلوا بأعيادهم كما يريدون٬ ويستعاض عن الصرف اللامجدي بالصرف على المدارس والمستشفيات٬ وان لا يتدخل الحاكم في اللبس والقضايا الخاصة٬ وأن يقبل النقد البناء، وأن يمنح الحاكم الأعلى المنتخب صلاحية اختيار طاقمه للحكم٬ ويتحمل مسؤولية القرارات الخاصة بالحكم٬ ويقبل من جانبه الحساب عن أخطائه وطاقمه الذي اختاره للحكم. وبعكسه فاننا سنبقى ندور في دولاب الخطأ والتنظير الى يوم يقذفنا فيه القدر خارج محطات الدولاب الدائر فتتهشم أجسادنا والعقول.
|