ماركوس كونالاكيس تُعتبر التطبيقات الذكية وسيلة رائعة لإضاعة الوقت والتسلية باستثناء «الطاعون»، فلعبة الاستراتيجية هذه موضوعها هو إبادة العالم بيولوجياً بواسطة فيروس خطير أو إصابة بكتيرية تنتشر عبر الحدود باحثة عن «أجسام مضيفة» دافئة ورطبة، فيصاب الناس ويموتون بعض النظر عن ديانتهم أو جنسيتهم. الأمراض المعدية في العالم الحقيقي التي تنتقل بشكل أبطأ هي أيضاً مصادر رعب تتسبب في حالات موت جماعي في عصرنا الحديث، مصادر رعب لا يتم إيلاؤها الانتباه والاهتمام إلا عندما تأخذ في التفشي. قبل نحو قرن من الزمن، في نهاية الحرب العالمية الأولى، مات من الناس بسبب «الأنفلوانزا الإسبانية»، ما بين 20 مليوناً و40 مليوناً، أكثر ممن قضوا في تلك الحرب. ويظل وباء الأنفلوانزا ذاك أفتك مرض في التاريخ الحديث. أجل، أفتك حتى من «طاعون الموت الأسود» الذي تفشى في القرن الرابع عشر. وبالمقابل، فإن فيروس «زيكا» ليس خطيراً أو قاتلاً على نحو ما كانت عليه الأنفلوانزا الإسبانية، بل إنه أشبه بالزكام إذا قورن مع «الموت الأسود». وعلى غرار ما هي عليه الحال مع معظم الأمراض، فإنه لا يصاب به جميع الناس ولكن الجميع يتأثر به. بيولوجياً، ينتشر فيروس «زيكا» الآن «على نحو كبير جداً»، وفق منظمة الصحة العالمية. وتُعتبر النساء اللواتي في سن الإنجاب والنساء الحوامل في خطر لأن ثمة علاقة بين الأمهات المصابات والأطفال الذين يولدون برؤوس وأدمغة صغيرة على نحو غير طبيعي. ولأن الجيل المقبل في أجزاء من أميركا اللاتينية والكاريبي بات يواجه تهديداً الآن، فقد أخذت بعض الحكومات توصي بتأجيل الحمل. كما شُرع في إعادة النظر في سياسات الإجهاض. الفيروس ينتقل بواسطة البعوض، ولكنه ينتقل أيضاً بواسطة العلاقة الجنسية، على غرار حالة سجلت في ولاية تكساس الأميركية مؤخراً. وفي الوقت الراهن، تكثر الأسئلة وتتناسل. وفي البؤر الساخنة مثل البرازيل، بات الخوف والقلق يسيطران على النفوس. وتُعتبر البرازيل واحدة من 20 بلداً مصاباً بالفيروس على نحو خطير، ولكنها أيضاً بلد يعاني منذ بعض الوقت أزمة اقتصادية دراماتيكية ومتواصلة، وفضيحة سياسية، وزعامة غير شعبية. وبالتالي، فإن آخر شيء تحتاجه هو أزمة صحة عامة. البرازيل المترنحة اقتصادياً وغير المستقرة سياسياً، كانت تتطلع إلى الألعاب الأولمبية الصيفية 2016 باعتبارها فرصة لتحقيق عائدات سياحية إضافية هي في أمس الحاجة إليها، ودعاية إيجابية للبلد. ولكن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن، حيث حمل فيروس زيكا أعداداً من المسافرين على إعادة النظر في مخططاتهم للسفر إلى ريو دي جانيرو هذا الصيف، ومنح البرازيل سمعة سيئة. ونتيجة لذلك، يرجح أن تعاني الخزانة البرازيلية أكثر الانكماش الاقتصادي.
اقتصادات الدول تأثرت بـ «زيكا» بدرجات متفاوتة. وقد حذر البنك الدولي من أن العالم «غير مستعد» للوباء المقبل «على نحو خطير»، بيد أن مالية الأفراد أو الدول ليست الوحيدة التي تتأثر جراء انتشار المرض، إذ إنه يتسبب أيضاً في اضطرابات سياسية واجتماعية. وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما، قد قال خلال خطابه حول حالة الاتحاد: «إننا تمكنا من وقف انتشار إيبولا في غرب إفريقيا»، وهو إنجاز لا يستهان به. ولكن على الرغم من هذا الإعلان، إلا أن الفيروس أثبت أنه أقوى مما كان متوقعاً بعد تسجيل حالة وفاة جديدة جراء إيبولا في سيراليون بعيد بضعة أيام. وإذا كانت الفيروسات لا تخضع للأجندات السياسية، فإنها كثيراً ما تستفيد من الجمود السياسي. وسواء تعلق الأمر بـ «سارس» أو «الإيدز» أو فيروس «زيكا» الآن، فلا شك أن محاربة الأمراض أمر صعب، ذلك أن اللقاحات والأدوية المضادة للفيروسات والمضادات الحيوية تتطلب وقتاً من أجل اختبارها وإنتاجها وتوزيعها. وعلى الحكومات أن تنسق في ما بينها من أجل توسيع الموارد والرأسمال السياسي لمحاربة الأمراض. والواقع أن العالم كان سريعاً نسبياً، في الرد على كثير من التهديدات البيولوجية الأخيرة، غير أن ثمة دائماً سلالات جديدة أكثر وأخبث تتربص بنا. وعالمنا المترابط هو عالم ينشر الأمراض بسرعة.
|