هيثم حسين يستقي الكثير من الغربيين آراءهم عن الواقع العربي الراهن من وسائل الإعلام التي تنقل إليهم أجزاء من الصورة، بحسب وجهات نظر القيمين عليها، ولا تخلو تلك الزوايا الملتقطة من جوانب مشوبة بسياسات بعينها، أحيانا تثير التعاطف وأحيانا أخرى تتسبّب في إثارة العداء. وفي أغلب الأحوال لا تخلو الصور المصدَّرة من أحكام مسبَقة، قوامها نقص الأهلية في معادلة الكفاءة والتشاركية، وفرض نوع من النمذجة والقولبة على الآخرين. لا يخفى على المقيم العربيّ والشرقيّ في الغرب، أن هناك توجّسا يسكن أذهان الأوروبيين عند مقاربتهم للشرق، ويكون الجانب الثقافي أهم منطلق لتبديد ذاك التوجس، وبث شعور بالثقة والطمأنينة لديهم. لكن إلى أي حد يمكن أن يساهم ذلك في تحقيق المنشود؟ وكيف؟ يمكن في عالم الغرب أن تلمس جانبين لافتين لبلورة الهوية ومستقبلها. كحالة العرب والمسلمين المقيمين في الغرب، سواء كانوا من الجيل السابق أو المعاصر، وجانب المعاناة والاغتراب ومساعي الاندماج، وتحديات المحافظة على الهوية أو الانصهار ضمن المجتمع الجديد، وبخاصة للأجيال الجديدة، لمواكبة سيرورة المجتمع، والتماهي مع الآخر في مسعى للتعايش والتقدم. ليس سرّا أن مستقبل الهوية للوافدين والمهاجرين في الغرب يظلّ على المحكّ، ولا سيّما أمام اجتياح أخبار الحروب والصراعات عن العالم العربي، وزيادة المشاكل فيه، لكن ذلك يستوجب مزيدا من العمل، ومن مختلف الجهات والأفراد، للحيلولة دون تبلور صورة مسيئة، تلقي بظلالها على حياة المهاجرين واللاجئين والمغتربين، وتلقي بظلال من الشكّ عليهم في حلهم وترحالهم، بحيث يجدون أنفسهم مضطرين للدفاع عن أنفسهم، وكأنهم متهمون في كل ما يقومون به. مستقبل الهوية ليس مسألة ثقافية فكرية حضارية فحسب، إنّها قضية حياة متكاملة، صورة التاريخ المكملة لصورة الراهن والمستقبل، صورة الإنسان في أسمى تجلياته المنشودة، لذلك فهي تحظى بالاهتمام وتوجب المسؤولية في الاهتمام بها بمختلف السبل المتاحة، وهنا تحتلّ الآداب والفنون والعلوم الصدارة في ذلك. بدورها تلقي الأجواء السياسية بظلالها على الفضاءات الثقافية، فلا يمكن للكثير من الغربيين فكّ الارتباط بين ما يشهده العالم العربيّ وما يريدون اكتشافه وقراءته في الأدب العربي المنقول إلى الإنكليزية أو الفرنسية، أو إلى لغات أخرى، إذ أن سلطة الإعلام المرئي والمسموع تطغى على سلطة الكتاب، وتلعب دورا محوريا في تشكيل رأي عام إزاء قضايا العالم العربي. وإلى حين انجلاء غيوم الاحتراب والتناحر تكون الصور النمطية قد اكتسبت أصالة وتكرّسا، وأصبحت بمثابة قيود متفاقمة، وهذا ما يشكّل بوق إنذار للقادم. |